كتاب إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)
ولما كان الغضب مَرْكَبَ الشيطان -فتتعاون النفس الغضبية والشيطان على النفس المطمئنة التي تأمر بدفع الإساءة بالإحسان-: أُمر أن يعاونها بالاستعاذة منه، فتَمُدُّ الاستعاذةُ للنفس المطمئنة، فتقوى على مقاومة جيش النفس الغضبية، ويأتي مدد الصبر الذي يكون النصر معه، وجاء مدد الإيمان والتوكل، فأبطل سلطان الشيطان، فـ {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [النحل: 99].
قال مجاهد (¬1)، وعكرمة (¬2)، والمفسرون: ليس له حجة.
والصواب أن يقال: ليس له طريق يتسلط به عليهم لا من جهة الحجة، ولا من جهة القدرة، فالقدرة داخلة في مُسمَّى السلطان، وإنما سُمِّيت الحجة سلطاناً؛ لأن صاحبها يتسلط بها تسلُّط صاحب القدرة بيده، وقد أخبر سبحانه أنه لا سلطان لعدوه على عباده المخلصين المتوكلين، فقال في سورة الحجر: {رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر: 39 - 42].
وقال في سورة النحل: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى
¬__________
(¬1) روى ابن جرير في تفسيره (17/ 294) من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: "حجته على الذين يتولّونه"، وعزاه في الدر المنثور (5/ 166) لابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(¬2) روى ابن جرير في تفسيره (8/ 30، 9/ 337، 19/ 444، 23/ 44) من طريق سفيان عن رجل عن عكرمة قال: "كل شيء في القرآن سلطان فهو حجة".