كتاب إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)
همَّه جعل الله غِناه في قلبه، وجمع له شَمْله، وأتتْه الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همَّه جعل الله فقره بين عينيه، وفَرّق عليه شمله، ولم يأتِه من الدنيا إلا ما قُدِّرَ له" (¬1).
ومن أبلغ العذاب في الدنيا تشتيتُ الشَّمْل وتفرّقُ القلب، وكون الفقر نُصْبَ عيني العبد لا يفارقه، ولولا سكرة عُشَّاق الدنيا بحبها لاستغاثوا من هذا العذاب، على أن أكثرهم لا يزال يشكو ويصرخ منه.
وفي الترمذي أيضًا عن أبى هريرة رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "يقول الله تبارك وتعالى: ابن آدم! تَفَرّغْ لعبادتي أملأْ صدرك غنًى، وأسُدَّ فقرك، وإن لا تفعلْ ملأت يديك شغلًا، ولم أسدَّ فقرك" (¬2)، وهذا أيضًا من أنواع العذاب، وهو اشتغال القلب والبدن بتحمل أنكاد الدنيا ومجاذبة (¬3) أهلها إياها، ومقاساة معاداتهم، كما قال بعض السلف (¬4): "من أحب الدنيا
¬__________
(¬1) سنن الترمذي (2465)، ورواه أيضًا هناد في الزهد (669)، وابن أبي الدنيا في ذم الدنيا (399)، وابن أبي عاصم في الزهد (164)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 307 - 308)، وهو في صحيح الترغيب (3169)، وفي الباب عن زيد بن ثابت وابن عباس وابن عمر وأبي الدرداء رضي الله عنهم.
(¬2) سنن الترمذي (2466)، ورواه أيضًا أحمد (2/ 358)، وابن ماجه (4107)، والبيهقي في الآداب (1119)، وفي الشعب (7/ 288)، قال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب"، وصححه ابن حبان (393)، والحاكم (3657)، وحسّنه ابن مفلح في الآداب الشرعية (3/ 262)، وهو في السلسلة الصحيحة (1359). وفي الباب عن معقل بن يسار رضي الله عنه.
(¬3) م: "محاربة".
(¬4) هو عبد الرحمن بن أبي بكرة، أخرجه ابن أبي الدنيا في "الاعتبار" (20).