كتاب إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)
و"أرأيتَ، أرأيتَ"؛ فإنما هلك من كان قبلكم بـ"أرأيت، أرأيت"، ولا تقيسوا شيئًا بشيء، فتزلَّ قَدَمٌ بعد ثبوتها.
وعن الشعبي، عن مسروق، قال: قال عبد الله (¬1): ليس من عام إلا والذي بعده شرٌّ منه، لا أقول: أميرٌ خيرٌ من أميرٍ، ولا عامٌ أخْصَبُ من عام، ولكن ذهابُ خيارِكم وعلمائكم، ثم يحَدُثُ قوم يقيسون الأمور برأيهم، فَيَنْهدِم الإسلام ويَنْثَلِمُ.
وقال عمر بن الخطاب (¬2) رضي الله عنه: إيّاكم وأصحاب الرأي، فإنهم أعداء السنن، أعْيَتْهم الأحاديث أن يحفظوها، وتَفَلَّتتْ منهم أن يَعُوها، فاسْتَحْيَوْا حين سُئلوا أن يقولوا: لا نعلم، فعارضوها برأيهم، فإياكم وإيّاهم.
¬__________
(¬1) رواه الدارمي (188)، والفسوي في المعرفة (3/ 377)، وابن وضاح في البدع (78، 248)، والطبراني في الكبير (9/ 105)، وابن أبي زمنين في أصول السنة (10)، وأبو عمرو الداني في الفتن (210، 211)، وابن حزم في الإحكام (8/ 509)، والبيهقي في المدخل (250)، وابن عبد البر في الجامع (1039 - 1042)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (1/ 456)، وغيرهم من طرق عن مجالد عن الشعبي به، ورواه الخطيب أيضًا (1/ 456) من طريق عبدة بن سليمان عن مجالد عن الشعبي عن عبد الله، قال الهيثمي في المجمع (1/ 433): "فيه مجالد بن سعيد وقد اختلط"، وحسن إسناده ابن حجر في الفتح (13/ 21).
(¬2) رواه الدارقطني (4/ 146)، وابن أبي زمنين في أصول السنة (8)، واللالكائي في اعتقاد أهل السنة (201)، وابن حزم في الإحكام (6/ 213 - 214)، والبيهقي في المدخل (213)، وابن عبد البر في الجامع (1034، 1036 - 1038)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (1/ 452 - 455)، والهروي في ذم الكلام (259، 260)، وعنه الأصبهاني في الحجة (1/ 221)، من طرق متعدّدة عن عمر، بألفاظ متقاربة يزيد بعضهم على بعض، ولا تخلو آحاد هذه الطرق من مقال.