كتاب إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 2)

قالوا: فإذا قال: إن مِتُّ فأنت في حِلّ مما لي عليك، فإن علّقَ ذلك بموت نفسه صحّ؛ لأنه وصية.
وإن علقه بموت مَنْ عليه الدين لم يصحّ؛ لأنه تعليق للبراءة بالشرط، ولا يصح، كما لا يصح تعليقُ الهبة.
فيقال أولاً: الحكم في الأصل غير ثابت بالنصّ، ولا بالإجماع، فما الدليلُ على بُطلان تعليق الهبة بالشرط؟ وقد صحّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه علّق الهبةَ بالشرط في حديث جابرٍ (¬1)، قال: "لَوْ قَدْ جاءَ مالُ البَحْرين لأعطيتُك هكذا، ثم هكذا، ثم هكذا" ثلاث حَثَيات، وأنجز له الصديق رضي الله عنه لمّا جاء مالُ البحرين بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
فإن قيل: كان ذلك وعدًا.
قلنا: نعم، والهبَة المعلّقة بالشرط وعدٌ، وكذلك فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لما بعث إلى النجاشي بهدية من مَسَك، وقال لأمّ سلمة: "إني قد أهديتُ إلى النجاشي حُلّة وأواقِيّ من مَسَك، ولا أرى النجاشي إلا قد مات، ولا أرى هديتي إلا مردودة، فإن رُدّتْ عليّ فهي لك"، وذكر الحديث. رواه أحمد (¬2).
¬__________
(¬1) أخرجه البخاري (3164)، ومسلم (2314).
(¬2) مسند أحمد (6/ 404) من حديث أمّ كلثوم، ورواه أيضًا ابن سعد في الطبقات (8/ 95)، وابن أبي عاصم في الأحاد والمثاني (3459)، وابن المنذر في الأوسط (895)، والطحاوي في شرح المشكل (323)، والطبراني في الكبير (25/ 81)، والبيهقي في الكبرى (6/ 26)، وغيرهم، وفي إسناده اختلاف، وصححه الحاكم (2766)، فتعقبه الذهبي بقوله: "منكر، ومسلم الزنجي ضعيف"، وصححه ابن حبان (5114) من حديث أم كلثوم عن أم سلمة، قال الهيثمي في المجمع (4/ 262): =

الصفحة 688