كتاب إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)

والتزكية جَعْلُ الشيء زكيًّا: إما في ذاته، وإما في الاعتقاد والخبر عنه، كما يقال عدَّلتُه وفسَّقتُه إذا جعلتَه كذلك في الخارج أو في الاعتقاد والخبر.
وعلى هذا فقوله تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 32] هو على غير معنى {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس: 9]؛ أي لا تخبروا بزكاتها وتقولوا: نحن زاكون صالحون متقون، ولهذا قال عقيب ذلك: {هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم: 32].
وكان اسم زينب بَرّة، فقال: "تُزكِّي نفسها"؛ فسماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زينب (¬1)، وقال: "الله أعلم [15 ب] بأهل البر منكم" (¬2).
وكذلك قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ}؛ أي يعتقدون زكاءها ويخبرون به، كما يزكِّي المزكِّي الشاهدَ، فيقول عن نفسه ما يقول المزكّي فيه، ثم قال تعالى: {بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} [النساء: 49]؛ أي هو الذي يجعله زاكيًا ويخبر بزكاته. وهذا بخلاف قوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا}؛ فإنه من باب قوله: {فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى} [النازعات: 18]؛ أي تعمل بطاعة الله، فتصير زاكيًا، ومثله قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: 14].
وقد اختُلِف في الضمير المرفوع في قوله: {زَكَّاهَا} (¬3):
فقيل: هو لله، أي أفلحت نفسٌ زكَّاها الله، وخابت نفسٌ دسّاها.
¬__________
(¬1) أخرجه البخاري (6192)، ومسلم (2141) عن أبي هريرة.
(¬2) أخرجه مسلم (2142) عن زينب بنت أبي سلمة.
(¬3) انظر: تفسير ابن كثير (8/ 3788) والقرطبي (20/ 76، 77).

الصفحة 80