كتاب إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)

المتزكِّي، والفرق بينهما فرقُ ما بين الفاعل والمطاوع.
قالوا: والذي جاء في القرآن من إضافة الزكاة إلى العبد إنما هو بالمعنى الثاني دون الأول؛ كقوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: 14]، وقوله: {فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى} [النازعات: 18]؛ أي تقبل تزكية الله لك، فتزكّى.
قالوا: وهذا هو الحق؛ فإنه لا مفلح إلا من زكّاه الله.
قالوا: وهذا اختيار ترجمان القرآن ابن عباس؛ فإنه قال في رواية علي ابن أبى طلحة، وعطاء، والكلبيّ: "قد أفلح من زكى اللهُ نفسَه" (¬1).
وقال ابن زيد: "قد أفلح من زكى الله نفسه" (¬2)، واختاره ابن جرير.
قالوا: ويشهد لهذا القول -أيضًا- قوله في أول السورة: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 8].
قالوا: وأيضًا فإنه سبحانه أخبر أنه خالق النفس وصفاتها؛ وذلك هو معنى التسوية.
قال أصحاب القول الآخر: ظاهر الكلام ونظمه الصحيح يقتضي أن يعود الضمير على {مَن}؛ أي أفلح من زكَّى نفسَه، هذا هو المفهوم المتبادر إلى الفهم، بل لا يكاد يُفهم غيره، كما إذا قلت: هذه جارية قد ربح من اشتراها،
¬__________
(¬1) رواه ابن جرير في تفسيره (24/ 456)، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (955)، والبيهقي في القضاء والقدر (355) من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس. وعزاه في الدر المنثور (8/ 531) لابن المنذر وابن أبي حاتم. وروى عبد بن حميد -كما في الدر المنثور (8/ 530) - عن الكلبي قال: "أفلح من زكاه الله، وخاب من دساه الله".
(¬2) رواه ابن جرير في تفسيره (24/ 456).

الصفحة 82