كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 2)
الوجه ا لخامس والثلاثون: قولكم: "إن الله خلى بين العباد وظلم
بعضهم بعضا، وأن ذلك لعس بقبيح منه، فانه قبيح مئا" (1).
فذلك فاسد على أصل التكليف؛ فإن التكليف إنما يتم بإعطاء القدرة
والاختيار، والله تعا لى قد أقدر عباده على الطاعات والمعاصي، والصلاح
والفساد، وهذا الاقدار هو مناط الشرع والامر والنهي، فلولاه لم يكن شرع
ولا رسالة، ولا ثواب ولا عقاب، وكان الناس بمنزلة الجمادات والأشجار
والنبات.
فلو حال سبحانه بين العباد وبين القدرة على المعاصي لارتفع الشرع
والرسالة والتكليف، وانتفت فوائد البعثة، ولزم من ذلك لوازم لا يحبها الله،
وتعطلت به غايات محمودة محبوبة لله وهي ملزومة لاقدار العباد وتمكينهم
من الطاعة والمعصية، ووجود الملزوم بدون اللازم محال، وقد نبهنا على
شيء يسير من ا لحكم المطلوبة والغايات المحمودة فيما سلف من هذا
الفصل وفي أول الكتاب (2).
فلو أن الرب تعالى خلق خلقه ممنوعين من المعاصي غير قادرين عليها
بوجه (3) لم يكن لإرسال الرسل وإنزال الكتب والامر و لنهي والثواب
والعقاب سبب يقتضيه، ولا حكمة تستدعيه، وفي ذلك تعطيل الامر جملة،
بل تعطيل الملك والحمد، والرب تعا لى له الخلق والأمر، وله الملك
وا لحمد.
(1) انظر: (ص: 982).
(2) انظر: (ص: 12، 810، 812 - 847).
(3) "بوجه" ليست في (ت).
1055