كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 2)

فيقال: هذا حق، ولكن لا يلزم منه (1) أن لا تكون الشريعة والامر
والنهي معلومة الحسن عقلا وشرعا، ولا يلزم منه أيضا عدم حسن التكليف
عقلا وشرعا، فذكركم هذا عديم الفائدة؛ فانه لم يقل منازعوكم ولا غيرهم:
إن الله سبحانه يتضرر بمعاصي العباد وينتفع بطاعاتهم، ولا إنه غير قادر على
إيصال الإحسان إليهم بلا واسطة. ولكن ترك التكليف وترك العباد هملا
كالانعام لا يؤمرون ولا ينهون مناف لحكمته وحمده وكمال ملكه هالهيته،
فيجب تنزيهه عنه، ومن نسبه إليه فما قدره حق قدره، وحكمته البالغة
قتضت الانعام عليهم بتداء وبواسطة الإيمان، والواسطة من إنعامه عليهم
أيضا؛ فهو المنعم بالوسيلة والغاية، وله ا لحمد والنعمة في هذا وهذا.
يوضحه:
الوجه الثالث والأربعون: وهو ان إنعامه عليه بتداء بالإيجاد وإعطاء
الحياة والعقل والسمع والبصر والنعم التي سخرها له إنما فعلها به لاجل
عبادته إياه وشكره له؛ كما قال تعا لى: < وما خلقت الجن وألإنسى إلا ليغدون >
[الذ ريات: 56]، وقال تعالى: < قل ما يعبؤأ لبهؤ ربئ لولا دعآولمجم > [الفرقان:
77]، وأصح الاقوال في الاية أن معناها: ما يصنع بكم وما يكترث بكم لولا
عبادتكم إياه (2)، فهو سبحانه لم يخلقكم إلا لعبادته.
فكيف يقال بعد هذا: إن تكليفه إياهم عبادته غير حسن في العقل، لانه
قادر على الانعام عليهم با لجزاء من غير توسط العبادة؟!
(1) في الاصول: "فيه ". وهو تحريف.
(2) (ق): "ما يصنع بكم ربي لولا عبادتكم إياه إ.
9 6 0 1

الصفحة 1069