كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 2)
ومن كان هكذا فانه لا يتزين بطاعة عباده، ولا تشينه معاصيهم، ولكن
من له الحكم البوالغ (1) في تكليف عباده و مرهم ونهيهم ما يقتضيه ملكه
التام وحمده وحكمته، ولو لم يكن في ذلك إلا أنه يستوجب من عباده شكر
نعمه التي لا تحمى، بحسب قواهم وطاقتهم، لا بح! سب ما ينبغي له، فانه
أعظم و جل من أن يقدر خلقه عليه، ولكنه سبحانه يرضى من عباده بما
تسمح به طبائعهم وقواهم.
فلا شيء أحسن في العقول والفطر من شكر المنعم (2)، ولا أنفع للعبد
فهذان مسلكان اخران في حسن التكليف والأمر والنهي:
أحدهما: يتعلق بذاته وصفاته، وأنه أهل لذلك، و ن جماله تعا لى
وكماله وأسماءه وصفاته تقتضي من عباده غاية ا لحب والذذ والطاعة له.
الثاني: متعلق بإحسانه وإتعامه، ولا سيما مع غناه عن عباده، وأنه إنما
يحسن إليهم رحمة منه وجودا وكرما، لا لمعاوضة ولا لاستجلاب منفعة
ولا لدفع مضرة.
وأي المسلكين سلكه العبد أوقعه على محبته وبذل ا لجهد في مرضاته.
فأين هذان المسلكان من ذينك المسلكين (3)؟!
وانما أتي القوم من إنكارهم المحبة، وذلك الذي حرمهم من العلم
(1) (ط): "ولكن له من الحكم البوالغ ".
(2) (ت): "النعم ".
(3) مسلكي القدرية و لجبرية في علة التكليف وحكمته. وقد تقذما قريبا.
89 0 1