كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 2)

وفيه أيضا مر اخر ألطف من هذا؛ وهو أن كونهم عباده يقتضي عبادته
وحده وتعظيمه واجلاله، كما يجل العبد سيده ومالكه الذي لا يصل إليه نفع
إلا على يده، ولا يدفع عنه ضرا إلا هو، فاذا كفروا به أقيح الكفر، و شركوا
به أعظم الشرك، ونسبوه إلى كل نقيضة مما تكاد السموات يتفطرن منه
وتنشق الارض وتخر ا لجبال هدا= كانوا أحق عباده و ولاهم بالعذاب.
والمعنى: هم عبادك الذين أشركوا بك، وعدلوا بك، وجحدوا حقك؛ فهم
عباد مستحقون للعذاب.
وفيه أمر اخر - أيضا - لعله ألطف مما قبله، وهو: إن تعذبهم فإنهم
عبادك، وشأن السيد المحسن المنعم أن يتعطف على عبده ويرحمه ويحنو
عليه (1)، فإن عذبت هؤلاء وهم عبيدك لا تعذبهم إلا باستحقاقهم
واجرامهم، والا فكيف يشقى العبد بسيده وهو مطيع له متبع لمرضاته؟!
فتأمل هذه المعا ني، ووازن بينها وبين قول من يقول: "إن تعذبهم فأنت
الملك القادر، وهم المملوكون المربوبون، وإنما تصرفت في ملكك، من
غير أن يكون قد قام بهم سبب العذاب "؛ فإن القوم نفاة الاسباب، وعندهم
أن كفر الكافرين وشركهم ليس سببا للعذاب، بل العذاب بمجرد المشيئة،
و محض الارادة.
وكذلك الكلام في مناظرة إياس للقدرية، إنما أراد بأن التصرفات
الواقعة منه تعا لى في ملكه لا تكون ظلما قط، وهذا حق؛ فإن كل ما فعله
الرب ويفعله لا يخرج عن العدل والحكمة والمصلحة و لرحمة، فليس في
أفعاله ظلم ولا جور ولا سفه؛ وهذا حق لا ريب فيه، فاياسى بين انه سبحانه
(1) (ت): "ويحسن إليه ".
1134

الصفحة 1134