كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 2)
وبهذا التفصيل يسفر لك وجه المسألة، ويتبلج صبحها.
ففرق بين فعله هو سبحانه الذي هو فعله، وبين فعل عباده الذي هو
مفعوله؛ فمحبته تعا لى وكراهته للأول توجب وقوعه و متناعه، و ما محبته
وكراهته للثا ني فلا توجب وقوعه ولا آمتناعه.
فانه يحب الطاعة والإيمان من عباده كلهم وإن لم تكن محبته موجبة
لطاعتهم وإيمانهم جميعا؛ إذ لم يحب فعله الذي هو إعانتهم وتوفيقهم
وخلق ذلك لهم، ولو أحب ذلك لاستلزم طاعتهم وإيمانهم.
ويبغض معاصيهم وكفرهم وفسوقهم، ولم تكن هذه الكراهة والبغض
مانعة من وقوع ذلك منهم؛ إذ لم يكره سبحانه خذلانهم وإضلالهم؛ لما له
في ذلك من الغايات المحبوبة التي فواتها يستلزم فوات ما هو أحب إليه من
إيمانهم وطاعتهم، وتعقل ذلك مما يقصر عنه عقول أكثر الناس، وقد أشرنا
إليه فيما تقدم من الكتاب (1).
فالرب تعا لى يحب من عباده الطاعة و لايمان، ويحب مع ذلك من
تضرعهم وتذللهم وتوبتهم واستغفارهم ومن توبته ومغفرته وعفوه وصفحه
وتجاوزه ما هو ملزوم لمعاصيهم وذنوبهم، ووجود الملزوم بدون لازمه
ممتنع.
واذا عقل هذا في حق المذنبين فيعقل مثله في حق الكفار، وأن خلقهم
وإضلالهم لازم لامور محبوبة للرب تعا لى لم تكن تحصل إلا بوجود
لازمها؛ إذ وجود الملزوم بدون لازمه ممتنع، فكانت تلك الأمور المحبوبة
(1) (ص: 12، 812،810 - 847).
1139