كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 2)
والعقاب. وأما أنتم فلا يمكنكم ذلك؛ لان تلك الافعال عندكم هي فعل الله
في العبد، لا صنع للعبد فيها أصلا، فكيف يتوجه أمر الشرع ونهيه إلى غير
فاعل، بل يؤمر وينهى بما لا قدرة له عليه البتة، بل بفعل غيره؟!
قالوا: فليتدبر المنصف هذا المقام، فانه يتبين له أنه سذ على نفسه طريق
النبوات، وفتح باب الاستغناء عنها.
قالوا: و يضا؛ فإن الله سبحانه فطر عباده على الفرق بين الحسن
والقبيح، وركب في عقولهم إدراك ذلك والتمييز بين النوعين، كما فطرهم
على الفرق بين النافع والضار، والملائم لهم والمنافر، وركب في حواسهم
إدراك ذلك والتمييز بين أنواعه.
والفطرة الاو لى (1) هي خاصة الإنسان التي تميز بها عن غيره من
ا لحيوانات، وأما الفطرة الثانية فمشتركة بين أصناف ا لحيوان (2)، وحجة الله
عليه إنما تقوم بواسطة الفطرة الاولى، ولهذا اختص من بين سائر ا لحيوانات
بإرسال الرسل إليه، وبالامر والنهي، والثواب والعقاب، فجعل سبحانه في
عقله ما يفرق بين الحسن والقبح، وما ينبغي إيثاره وما ينبغي اجتنابه، ثم أقام
عليه حجته برسالة بواسطة هذا ا لحاكم الذي يتمكن به من العلم بالرسالة،
وحسن الارسال، وحسن ما تضمنته من الاوامر، وقيح ما نهت عنه؛ فانه لولا
ما ركب في عقله من إدراك ذلك لما أمكنه معرفة حسن الرسالة، وحسن
المامور، وقيح المحظور.
(1) وهي الفرق بين ا لحسن والقبيح. والثانية: الفرق بين النافع والضار.
(2) (ت): "سائر ا لحيوانات ".
1151