كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 2)
قالوا: فعلمه من العقل بحسن الحسن وقبح القبيح، ثم علمه بأن ما
أمرت به الرسل هو الحسن، وما نهت عنه هو القبيح = طريق إلى تصديق
الرسل، وأنهم جاووا با لحق من عند الله.
ولهذا قال بعض الاعراب، وقد سئل: بماذا عرفت أن محمدا رسول
الله؟ فقال: ما أمر بشيء فقال العقل: ليته نهى عنه، ولا نهى عن شيء فقال
العقل: ليته أمر به (1).
أفلا ترى هذا الاعرابي كيف جعل مطابقة الحسن والقبح - الذي ركب
الله في العقول إدراكه - لما جاء به الرسول شاهدا على صحة رسالته وعلما
عليها، ولم يقل: إن ذلك يفتح (2) طريق الاستغناء عن النبوة بحاكم العقل؟!
قالوا: وأيضا؟ فهذا إنما يلزم ان لو قيل بان ما جاءت به الرسل ثابت في
العقل إدراكه مفصلا قبل البععة، فحينئذ يقال: هذا يفتح باب الاستغناء عن
الرسالة.
ومعلوم أن إثبات الحسن و لقبح العقليين لا يستلزم هذا، ولا يدل
عليه، بل غاية العقل أن يدرك بالإجمال حسن ما أتى الشرع بتفصيله أو
قبحه، فيدركه العقل جملة، ويأتي الشرع بتفصيله.
وهذا كما أن العقل يدرك حسن العدل، وأما كون هذا الفعل المعين
عدلا أو ظلما فهذا مما يعجز العقل عن إدراكه في كل فعل وعقد (3).
(1) انظر ما تقدم (ص: 4 87).
(2) (ق): "يقبح ". وهو تحريف.
(3) يعني: اعتقاد.
1153