كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 2)
وهؤلاء قابلوا من قبلهم من القدرية و لمعتزلة أعظم مقابلة؛ فهما طرفا
نقيفيى لا يلتقيان.
والطريق الرابع: طريق اهل العلم والإيمان الذين عقلوا عن الله امره
ودينه، وعرفوا مراده بما أمرهم ونهاهم عنه، وهي أن نفس معرفة الله و محبته
وطاعته والتقرب إليه (1) وابتغاء الوسيلة إليه أمر مقصود لذاته، وأن الله
سبحانه يستحقه لذاته، وهو سبحانه المحبوب لذاته، الذي لا تصلح العبادة
والمحبة والذل والخضوع والتاله إلا له؛ فهو يستحق ذلك لانه أهل أن يعبد
ولو لم يخلق جنة ولا نارا، ولو لم يضع ثوابا ولا عقابا، كما جاء في بعض
الاثار: "لو لم أخلق جنة ولا نارا، اما كنت أهلا أن اعبد؟ " (2).
فهو سبحانه يستحق غاية الحب والطاعة والثناء والمجد والتعظيم؛
لذاته، ولما له من أوصاف الكمال ونعوت ا لجلال.
وحبه والرضا به وعنه والذر له والخضوع والتعبد هو غاية سعادة
النفس وكمالها، والنفس إذا فقدت ذلك كانت بمنزلة ا لجسد الذي فقد
روحه وحياته، والعين التي فقدت ضوءها ونورها، بل أسوأ حالا من ذلك
من وجهين:
أحدهما: أن غاية ا لجسد إذا فقد روحه أن يصير معطلا ميتا، وكذلك
العين تصير معطلة، وأما النفس إذا فقدت كمالها المذكور فإنها تبقى معذبة
متالمة، وكلما اشتد حجابها اشتد عذابها و لمها، وشاهد هذا ما يجده
المحب الصادق المحبة من العذاب والالم عند احتجاب محبوبه عنه، ولا
(1) (ت، ص): "والندب إليه ".
(2) تقدم تخر يجه (ص: 78 0 1).
1168