كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)

وهذا كحال رجل سائر على طريق قد كمنت الاعداء في جنباته، وخلفه
و مامه، وهو لا يشعر بها (1)، فاذا أصيب منها مرة بمصيبة ستعد في سيره،
و خذ أهبة عدوه، و عد له ما يدفعه به. ولولا أنه ذاق أ لم إغارة عدوه عليه
وتبييته له لما سمحت نفسه بالاستعداد والحذر و خذ العدة.
فمن تمام نعمة الله على ادم وذريته أن أراهم ما فعل العدو بهم وبأبيهم
فاستعدوا له و خذو أهبته.
فان قيل: كان من الممكن ان لا يسلط عليهم العدو.
قيل: قد تقدم أنه سبحانه خلق ادم وذريته على بنية وتركيب مستلزم
لمخالطتهم لعدوهم وابتلائهم به، ولو شاء لخلقهم كالملائكة الذين هم
عقول بلا شهوات (2)، فلم يكن لعدوهم طريق إليهم، ولكن لو حلقوا هكذا
لكانوا خلقا اخر غير بني ادم؛ فان بني ادم قد ركبوا على العقل والشهوة.
* وأيضا؛ فانه لما كانت محبة الله وحده هي غاية كمال العبد وسعادته
التي لا كمال له ولا سعادة بدونها أصلا، وكانت المحبة الصادقة إنما
تتحقق (3) بإيثار المحبوب على غيره من محبوبات النفوس، و 1 حتمال أعظم
المشاق في طاعته ومرضاته، فبهذا تتحقق المحبة ويعلام ثبوتها في القلب=
قتضت حكمته سبحانه إخراجهم إلى هذه الدار المحفوفة بالشهوات
و محاب النفوس، التي بإيثار المحبوب (4) ا لحق عليها والإعراض عنها
(1) "بها"ليست في (ق).
(2) (ح):"شهوة".
(3) التاء الأولى مضبوطة بالضم في (ق) في الموضعين.
(4) (ت): "النفوس ". وساقطة من (د، ق).
13

الصفحة 13