كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)

بل كيف لم يحث التراب في وجهه ويسبه؟!؛ لان إبليس ليس كان
يكون بهذا الكلام مغويا له، إنما كان يكون زاريا عليه (1)؛ لانه إنما وعده
على معصية ربه بما كان فيه لا زائدا عنه، ومثل هذا لا يخاطب به إلا
المجانين الذين لا يعقلون؛ لان العوض الذي وعده به بمعصية ربه قد كان
أحرزه، وهو الخلد والملك الذي لا يبلى.
ولم يخبر الله ادم إذ أسكنه الجنة أنه فيها من الخالدين، ولو كان فيها من
الخالدين لما ركن إلى قول إبليس، ولا قبل نصيحته، ولكنه لما كان في غير
دار خلود غره بما طمعه فيه من الخلد، فقبل منه، ولو أخبر الله ادم أنه في
دار الخلد ثم شك في خبر ربه لسماه كافرا، ولما سما 5 عاصيا؛ لان من شك
في خبر الله فهو كافر، ومن فعل غير ما مره الله به وهو معتقد للتصديق لخبر
ربه فهو عاص، وانما سمى الله ادم عاصيا ولم يسمه كافرا.
قالوا: فان كان ادم اسكن جنة الخلد، وهي دار القدس التي لا يدخلها
إلا طاهر مقدس؛ فكيف توصل إليها إبليس الرجس النجس الملعون
المذموم المدحور حتى فتن فيها ادم؟!
وإبليس فاسق قد فسق عن أمر ربه، وليست جنة الخلد دار الفاسقين، ولا
يدحلها فاسق بتة، إنما هي دار المتقين، وإبليس غير تقي، فبعد أن قيل له:
اهبط (2) منها فما يكون لك ان تتكبر فيها، ايفسح له (3) ان يرقى إلى جنة
المأوى فوق السماء السابعة بعد السخط والابعاد له بالعتو والاستكبار؟!
(1) أي: عائئا محتقرا له، مستخفا به.
(2) كذا في الاصول، على سبيل الاستشهاد، لا التلاوة.
(3) (ق): "انفسح له ".
31

الصفحة 31