كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)

وقيل لزاهد: ما الذي زهدك في الدنيا؟ فقال: "خسة (1) شركائها، وقلة
وفائها، وكثرة جفائها".
وقيل لاخر في ذلك؛ فقال: " ما مددت يدي إلى شيءٍ منها إلا وجدت
غيري قد سبقني إليه، فاتركه له"!
ومنها: أن الالتذاذ بموقعها إنما هو بقدر شدة ا لحاجة إليها، والتأ لم
بمطالبة النفس لتناولها، وكلما كانت شهوة الظفر بالشيء أقوى كانت اللذة
الحاصلة بوجوده أكمل، فما لم تحصل تلك الشهوة لم تحصل تلك اللذة؛
فمقدار اللذة الحاصلة في الحال مساو لمقدار الحاجة والا لم و 1 لمضرة في
الماضي؛ وحينئذ تتقابل اللذة ا لحاصلة والا لم المتقدم، فيتساقطان، فتصير
اللذة كانها لم توجد، ويصير بمنزلة من شق بطن رجل ثم خاطه وداو 5
بالمراهم، أو بمنزلة من ضربه عشرة أسواط وأعطاه عشرة دراهم! ولا
تخرج لذات الدنيا غالبا عن ذلك.
ومثل هذا لا يعد لذة ولا سعادة ولا كمالا، بل هو بمنزلة قضاء ا لحاجة
من البول والغائط؛ فان الانسان يتضزر بثقله، فاذا قضى حاجته استراح منه،
فأما أن يعد ذلك سعادة وبهجة ولذة مطلوبة فلا.
ومنها: ان هاتين اللذتين اللتين هما اثر اللذات عند الناس لا سبيل (2)
إ لى نيلهما إلا بما يقترن بهما قبلهما وبعدهما من مباشرة القاذورات والتأ لم
ا لحاصل عقيبهما.
(1) (ت): "خشية ". وانظر: "جامع العلوم وا لحكم " (57 5).
(2) (ت، د، ق): " ولا سبيل ". خطا.
378

الصفحة 378