كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)
فلما علم سبحانه أن هؤلاء لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية لم يجبهم إلى ما
طلبوا، فلم يعمهم بعذاب، لما اخرج من بنيهم ومن أصلابهم من عباده
المؤمنين، و ن أكثرهم آمن بعد ذلك بغير الآية التي قترحوها.
فكان عدم إنزال الآيات المطلوبة من تمام حكمة الرب ورحمته
وإحسانه، بخلاف الحجج فإنها لم تزل متتابعة يتلو بعضها بعضا، وهي كل
يوم في مزيد، وتوفي رسول الله ع! ي! وهي أكثر ما كانت، وهي باقية إلى يوم
القيامة.
* وقوله: " أولئك الاقلون عددا، الأعظمون عند الله قدرا"؛ يعني: هذا
الصنف من الناس أقل الخلق عددا، وهذا سبب غربتهم (1)؛ فإنهم قليلون
في الناس، والناس على خلاف طريقتهم، فلهم نبأ وللناس نبأ، قال النبي
ع! م! م: "بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ؛ فطوبى للغرباء " (2)،
فالمؤمنون قليل (3) في الناس، والعلماء قليل في المؤمنين، وهؤلاء قليل في
العلماء.
وإياك أن تغتر بما يغتر به ا لجاهلون، فإنهم يقولون: لو كان هؤلاء على
حق لم يكونوا أقل الناس عددا، والناس على خلافهم؛ فاعلم أن هؤلاء هم
الناس، ومن خالفهم فمشبهون بالناس، ليسوا بناس، فما الناس إلا أهل
ا لحق وإن كانوا أقلهم عددا.
قال بن مسعود: "لا يكن أحدكم إمعة - يعني يقول: أنا مع الناس -،
(1) (ت):"عزتهم ".
(2) اخرجه مسلم (5 4 1) من حديث ابي هريرة.
(3) (ت): " قليلون ".
414