كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)

ودوامه وفضله على نعيم الدنيا، وجزم بهذين العلمين = أثمر له ذلك علما
ثالثا، وهو أن الاخرة ونعيمها الفاضل الدائم اولى عند كل عاقل بإيثاره من
العاجلة المنقطعة المنغصة.
ثم له في معرفة الاخرة حالتان:
إحداهما: ان يكون قد سمع ذلك من غيره، من غير أن يباشر قلبه برد
اليقين به، ولم يفض قلبه إلى مكافحة (1) حقيقة الاخرة. وهذا حال أكثر
الناس.
فيتجاذبه داعيان:
* أحدهما: داعي العاجلة وإيثارها، وهو أقوى الداعيين؛ لانه مشاهد له
محسوس.
* وداعي الاخرة، وهو اضعف الداعيين عنده؛ لانه داع عن سماع، لم
يباشر قلبه اليقين به، ولا كافحه حقيقته العلمية.
فاذا ترك العاجلة للاخرة تريه نفسه بأنه قد ترك معلوما لمظنون، أو
متحققا لموهوم، فلسان ا لحال ينادي عليه: لا أدع ذر منقودة لدرة
موعودة (2).
وهذه الافة هي التي منعت النفوس من الاستعداد للاخرة وأن تسعى لها
سعيها، وهي من ضعف العلام بها وتيقنها، والا فمع الجزم التام الذي لا
(1) كافحه مكافحة وكفاحا: لقيه مواجهة ه " اللسان " (كفج).
(2) انظر: " شرح مقامات ا لحريري " (5/ 338)، و"الداء والدواء" (79)، و" مدارج
السالكين " (3/ 0 35)، و" عدة الصابرين " (66 4).
2 2 5

الصفحة 522