كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)

إ لى المحاب، ومن الرغبة وا لحرص إلى الزهد والقناعة، ومن سجن الدنيا
إ لى فضاء الاخرة، ومن ضيق ا لجهل إلى سعة العلم ورحبه، ومن مرض
الشهوة والاخلاد إلى هذه الدار إلى شفاء الانابة إلى الله والتجا في عن دار
الغرور، ومن مصيبة العمى والصمم والبكم إلى نعمة البصر والسمع والفهم
عن الله والعقل عنه، ومن أمراض الشبهات إلى برد اليقين وثلج الصدر.
وبا لجملة؛ فأصل كل طاعة إنما هو الفكر.
وكذلك أصل كل معصية إنما يحدث من جانب الفكرة؛ فإن الشيطان
يصادف أرض القلب خالية فارغة، فيبذر فيها حب الافكار الردية، فيتولد
منه الارادات و لعزوم (1)، فيتولد منها العمل. فإذا صادف أرض القلب
مشغولة ببذر الافكار النافعة فيما خلق له وفيما مر به وفيما هيىء له و عد له
من النعيم المقيم أو العذاب الاليم لم يجد لبذره موضعا، وهذا كما قيل:
أتا ني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلبا فارغا فتمكنا (2)
فإن قيل: فقد ذكرتم الفكر ومنفعته وعظم تأثيره في الخير والشر، فما
متعلقه الذي ينبغي أن يوقع عليه و يجري فيه؟ فانه لا يتم المقصود منه إلا
بذكر متعلقه الذي يقع الفكر فيه، والا ففكر في غير (3) متفكر فيه محال.
(1) جمع عزم. محدثة.
(2) البيت ليزيد بن الطثرية في "اخبار ابي تمام " (4 26)، و" الموازنة " (1/ 69)، وتر جمته
من " وفيات الاعيان " (6/ 0 37). ولمجنون بني عامر في ديوانه (9 1 2) عن "البيان
والتبين " (2/ 2 4)، و"ا لحيوان " (1/ 9 6 1، 4/ 67 1)، وغيرهما. ولعمر بن ابي ربيعة
في "عيون الاخبار" (3/ 9).
(3) (ن): "ففكر بغيرلا.
527

الصفحة 527