كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 2)

فقالت طائفة: إنما كان الدماغ باردا لتبريد ا لحرارة التي في القلب؛
ليردها عن الافراط إلى الاعتدال.
وردت طائفة هذا (1)، وقالت: لو كان كذلك لم يكن الدماغ بعيدا عن
القلب، بل كان ينبغي ان يحيط به كالرئة، او يكون قريبا منه في الصدر؛
ليكسر حرارته.
قالت الفرقة الاولى: بعد الدماغ من القلب لا يمنع ما ذكرناه من
الحكمة؛ لانه لو قرب منه لغلبته حرارة لقلب بقوتها، فجعل البعد بينهما
بحيث لا يتفاسدان، وتعتدل (2) كيفية كل واحد منهما بكيفية الآخر، وهذا
بخلاف الرئة، فانها آلة للترويح على القلب لم تجعل لتعديل حرارته.
وتوسظت فرقة اخرى وقالت: بل المخ حار لكنه فاتر ا لحرارة، وفيه
تبريد بالخاصئة، فانه مبدا للذهن، ولهذا كان الذهن يحتاج إلى موضع
ساكن قار، صاف عن الاقذاء (3) و لكدر، خال من الجلبة والزجل (4).
ولذلك تكون جودة الفكر والتذكر واستخراج الصواب عند سكون
البدن، وفتور حركاته، وقلة شواغله ومزعجاته، ولذلك لم يصلج لها القلب،
وكان الدماغ معتد، في ذلك صالحا له.
ولذلك تجود هذه الافعال في الليل، وفي المواضع الخالية، وتفسد
(1) (ت): " هذا القول ".
(2) (ت): " وتعدل ".
(3) (ح): " ا لاقذار".
(4) وهو رفع الصوت. وفي (د، ق، ت): "والدخل "، تحريف.
4 5 5

الصفحة 554