كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 2)

ونازعهم في ذلك طائفة أخرى، وقالوا: مبدأ هذه ا لحواس إنما هو
الدماغ، وأنكروا أن يكون بين القلب والعين والأذن والانف أعصاب أو
عروق، وقالوا: هذا كذب على ا لخلقة.
والصواب التوسط بين الفريقين، وهو أن القلب ينبعث منه قوة إلى هذه
ا لحواس، وهي قوة معنوية لا تحتاج في وصولها إليها إلى مجار مخصوصة
وأعصاب تكون حاملة لها؛ فان وصول القوى إلى هذه ا لحواس والأعضاء لا
تتوقف إ لا على قبولها واستعدادها وإمداد القلب، لا على مجار وأعصاب.
وبهذا يزول الالتباس في هذا المقام الذي طال فيه الكلام، وكثر فيه
النزاع وا لخصام، والله أعلم، وبه التوفيق للصواب.
والمقصود التنبيه على أقل القليل من وجوه ا لحكمة التي في خلق الانسان،
والامر أضعاف أضعاف (1) ما يخطر بالبال، أو يجري في المقال، وانما فائدة
ذكر هذه الشذرة - التي هي كلا شيء بالنسبة إلى ما وراءها - التنبيه.
وإذا نظر العبد إلى غذائه فقط، في مدخله ومستقره ومخرجه، رأى فيه
العبر والعجائب؛ كيف جعلت له الة يتناوله بها، ثم باب يدخل منه، ثم الة
تقطعه صغارا، ثم طاحون يطحنه، ثم أعين بماء يعجنه، ثم جعل له مجرى
وطريق إلى جانب مجرى النفس، ينزل هذا ويصعد هذا، فلا يلتقيان مع
غاية القرب.
ثم جعل له حوايا (2) وطرقا توصله إلى المعدة، فهي خزانته وموضع
(1) ليست في (ح، ق، ت).
(2) يريد: ا لمريء. وا لحوا يا: ا لامعاء. " اللسان " (حوا).
7 5 5

الصفحة 557