كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 2)

يسر الناظرين، وحسن مرأى الشجر وخلقتها البديعة الشاهدة لفاطرها
ومبلمعها بغاية ا لحكمة واللطف.
ثم إذا تأملت إخراج ذلك النور البهي من نفس ذلك الحطب، ثم
إخراج الورق الاخضر، ثم إخراج تلك الثمار على ختلاف أنواعها
وأشكا لها ومقاديرها، و لوانها وطعومها وروائحها ومنافعها وما يراد منها.
ثم تامل أين كانت مستودعة في تلك الخشبة وهايك العيدان، وجعلت
الشجرة لها كالام، فهل كان في قدرة الاب العاجز الضعيف إبراز هذا
التصوير العجيب، وهذا التقدير المحكم، وهذه الاصباغ الفائقة، وهذه
الطعوم اللذيذة و لاراييح (1) الطيبة، وهذه المناظر المستحسنة؟!
فسل ا لجاحد: من تو لى تقدير ذلك وتصويره وإبرازه وترتيبه (2) شيئا
فشيئا، وسوق الغذاء إليه في تلك العروق اللطاف التي يكاد البصر يعجز عن
إدراكها وتلك المجاري الدفاق؟!
فمن الذي تولى ذلك كله؟! ومن الذي أطلع لها الشمس، وسخر لها
الرياج، و نزل عليها المطر، ودفع عنها الافات؟!
وتأمل تقدير اللطيف الخبير؛ فان الاشجار لما كانت تحتاج إلى الغذاء
الدائم، كحاجة الناس وسائر ا لحيوان، ولم يكن لها أفواه كأفواه ا لحيوان،
ولا حركة تنبعث بها لتناول الغذاء؛ جعلت أصولها مركوزة في الارض؛
(1) جمع ا لجمع لكلمة "ريح "، وهي شاذة، كما في "اللسان ". وتقع في كلام الجاحط
وغيره من امراء البيان. والمصنف يستعملها أحيانا. انظر: "زاد المعاد" (4/ 1 9)،
و"شفاء العليل " (48 6).
(2) (ح): "وتربيته ".
641

الصفحة 641