كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 2)

فسل المعطل: من أ لهمها ذلك؟! ومن أرشدها إليه؟! ومن دلها عليه؟!
أفيجوز أن يكون هذا من غير مدبر عزيز حكيم، وتقدير عزيز عليم، وتقدير
لطيف خبيرٍ بهرت حكمته العقول، وشهدت له الفطر بما آستودعها من
تعريفه بأنه الله الذي لا إله إلا هو، الخالق البارىء المصور، الذي لا تنبغي
العبادة إلا له، وأنه لو كان معه في سمواته و رضه إله سواه لفسدت
السموات والأرض واختل نظام الملك؟! فسبحانه وتعا لى عما يقول
الظالمون وا لجاحدون علوا كبيرا.
ولعلك أن تقول: ما حكمة هذا النبات المبثوث في الصحاري والقفار
وا لجبال التي لا أنيس بها ولا ساكن؟! وتظن أنه فضلة لا حاجة إليه ولا
فائدة في خلقه. وهذا مقدار عقلك ونهاية علمك؛ فكم لباريه وخالقه فيه من
حكمة واية: من طعم وحشبى وطير ودواب مساكنها حيث لا تراها تحت
الأرض وفوقها، فذلك بمنزلة مائدة نصبها الله لهذه الوحوش والطيور
والدواب تتناول منها كفايتها، ويبقى الباقي كما يبقى الرزق الواسع الفاضل
عن الضيف، لسعة رب الطعام وغناه التام وكثرة إنعامه.
فصل (1)
ثم تأمل الحكمة البالغة في إعطائه سبحانه بهيمة الانعام الاسماع
والابصار؛ ليتم تناولها لمصا لحها ويكمل آنتفاع الانسان بها؛ إذ لو كانت
عميا وصما لم يتمكن من الانتفاع بها.
ثم سلبها العقول التي للانسان (2) ليتم تسخيره إياها، فيقودها
(1) "الدلائل والاعتبار" (26)، "توحيد المفضل " (52. 55 - 56).
(2) (ق): "العقول على كمر خلقها التي للانسان ". وضرب ابن بردس في (د) على "كبر=
665

الصفحة 665