كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 11)

وقال زفر: يَفْصِل بين طلاق الآيسة والصغيرة وبين جماعها بشهر.
الثامن: أن الظاهرية استدلوا بما روى (¬1) سعيد بن جبير، عن ابن عمر قال: "طلقت امرأتي وهي حائض، فردَّها عليَّ رسول الله -عليه السلام- حتى طلقتها وهي طاهر" أن الرجل إذا طلق امرأته في حيضها لم ينفذ ذلك الطلاق، ولا يحل له أن يطلقها في حيضها. وهو مذهب الخوارج والرافضة أيضًا، وحُكي عن ابن عُلية أيضًا.
وأجمع أئمة الفتوى من التابعين وغيرهم على أن الطلاق في الحيض واقع ولكنه محرم؛ أمَّا وقوعه فلأمر رسول الله -عليه السلام- لابن عمر بمراجعة امرأته إذْ طلقها حائضًا، والمراجعة لا تكون إلا بعد لزوم الطلاق؛ لأنه لو لم يكن لازمًا ما قال له: راجعها؛ لأن مَنْ لم تطلق ولم يقع عليها طلاق لا يقال فيه: راجعها؛ لأنه محال أن يقال لرجل امرأته في عصمته لم يفارقها: راجعها.
وأما كونه محرمًا فلكون المطلق في الحيض مطلقًا لغير العدة؛ لأن الله -عز وجل- يقول: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (¬2) وقرئ: "فطلقوهن لقبل عدتهن" على ما مرَّ عن قريب، وكذا كان يقرأ ابن عمر وغيره.
وقال أبو عمر: وعلى هذا جماعة فقهاء الأمصار وجمهور علماء المسلمين وإن كان عندهم بدعة غير سنَّة فهو لازم عند جميعهم ولا يخالف في ذلك إلا أهل البدع والضلال والجهل؛ فإنهم يقولون: إن الطلاق لغير السُنَّة غير واقع ولا لازم. وروي مثل ذلك عن بعض التابعين، وهو شذوذ لم يعرِّج عليه أهل العلم.
ص: قال أبو جعفر -رحمه الله-: فذهب قومٌ إلى هذه الآثار وقالوا: مَنْ طلق امرأته وهي حائض فقد أثِم وينبغي له أن يراجعها؛ لأن طلاقه ذلك طلاق خطأ، فإن تركها تمضي في العدة بانت منه بطلاقٍ خطأ, ولكن يؤمر أن يراجعها ليخرجها بذلك من أسباب الطلاق الخطأ ثم يتركها حتى تطهر من هذه الحيضة ثم يطلقها
¬__________
(¬1) "المجتبى" (6/ 141 رقم 3398).
(¬2) سورة الطلاق، آية: [1].

الصفحة 30