كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 11)

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب، قال: ثنا شعبة، عن ابن أبي نجيح وحميد الأعرج، عن مجاهد: "أن رجلاً قال لابن عباس: رجل طلق امرأته مائة، فقال: عصيت ربك وبانت منك امرأتك؛ لم تتق الله فيجعل لك مخرجًا من يتق الله يجعل له مخرجًا قال الله -عز وجل-: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (¬1) في قبل عدتهن".
ش: هذه ثلاث طرق آخرى عن ابن عباس، وهي صحاح:
الأول: عن أبي بكرة بكَّار القاضي، عن مؤمل بن إسماعيل القرشي، عن سفيان الثوري، عن عمرو بن مرة بن عبد الله المرادي الجملي أبي عبد الله الكوفي الأعمى، أحد مشايخ أبي حنيفة، وروى له الجماعة.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (¬2): ثنا وكيع، عن سفيان، قال: حدثني عمرو بن مًرة، عن سعيد بن جبير قال: "جاء رجل إلى ابن عباس فقال: إني طلقت امرأتي ألفًا -أو مائة- قال: بانت منك بثلاث، وسائرهن وزر، اتخذت آيات الله هزوًا".
"الهُزء" بضم الهاء والزاي وبتسكين الزاي أيضًا: السخرية، تقول منه: هزئت منه وهزئت به، وعن الأخفش: استهزأت به وهَزَأت به -بالفتح أيضًا- هَزوًا ومهزاءً.
وإنما قال ابن عباس هذا القول؛ إنكارًا عليه في طلاقه بمائة طلقة أو بألف طلقة؛ لأنه كلام لا يعتد به في الوقوع بأكثر من ثلاث طلقات؛ لأن الله تعالى شرَّع في كتابه ثلاث طلقات بقوله: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} (¬3)، ثم قال: {فَإنِ طَلقَهَا} (¬4) أي الثالثة، فإذا ذكر أكثر من ذلك يكون آتيًا بما ليس في كتاب الله، فيكون كالمستهزئ.
¬__________
(¬1) سورة الطلاق، آية: [1].
(¬2) "مصنف ابن أبي شيبة" (4/ 62 رقم 17804).
(¬3) سورة البقرة، آية: [229].
(¬4) سورة البقرة، آية: [230].

الصفحة 58