كتاب بحر المذهب للروياني (اسم الجزء: 11)

(والأثنى) البالغين إذ شغلهما في عمل له أن ينفق عليهما ويكسوهما بالمعروف وذلك نفقة رقيق بلدهما الشبع لأوساط الناس تقوم به أبدانهم من أي طعام كان، وفي هذا اللفظ إشكال، وذلك أنه قيد نفقتها بالعمل فقال: " إذا شغلهما في عمل له أن ينفق عليهما" ومعلوم أن النفقة تجب بالملك ولا يتوقف وجوبها علي الاستخدام. وكذلك الكسوة، فيحتمل أن يكون مقصود الشافعي بهذا التقييد التعليل لا الشرط، فكأنه قال: لما كان السيد بسلطان الملك مسلطاً علي الاستخدام وتكليف العمل كان عليه النفقة والكسوة في مقابلة الملك الذي به ولاية الاستخدام، سواء استخدام أو لم يستخدم ويحتمل معني آخر وهو أنه أراد به الزيادة في النفقة بسبب العمل، وكذلك الكسوة. وبيان هذا أن الرجل إذا كان له مملوك فربما يكلفه عملاً يحتاج ذلك المملوك بسبب ذلك العمل الذي العمل يتكلفه إلي زيادة طعام، وإذا كلفه عملاً في الأسواق ومشاهد الناس، فالعادة أن تكون الكسوة بخلاف كسوته التي يلبسها في داره، فعله أراد بهذا التقييد هذا المعني، وإلي هذا المعني يرجع التقييد بالبلوغ لأن الصغير في العرف والعادة قد يستغني عن بعض ما لا يستغني عنه البالع من كسوة وطعام.
مسألة:
قال: "وَكُسْوَتُهُمْ كَذَلِكَ".
الفصل:
[ق 237 ب] إلي أن قال: " وَالجَوارِي إِذَا كَانَتْ لهَنَّ فَرَاهَةٌ وَجمَاَلٌ فَالَمعْروفُ أَنَّهُنًّ يُكْسَيْنَ أَحْسَنَ مِنْ كُسْوَةِ اللَّائِي دُونَهُنَّ".
يلزم السيد أن يكسوهم ما يكتسي العبيد في ذلك البلد، والأولي أن يستوي بين عبيده ولا بفضل كثير الثمن علي قليله فيها، ولا تعتبر كسوة السيد فقد يكون بخيلاً يلبس ثياباً أدون مما تلبسه العبيد، وقد يكون سخياً يلبس أحسن الثياب فلا يعتبر ذلك.
وأما الجواري، فإن كن للخدمة يسوي بينهن كالعبيد، وإن كان بعضهن للتسري اختلف أصحابنا فيه، فمنهم من قال: يسوي بينهن أيضاً كالعبيد، ومنهم من قال: وهو الصحيح المنصوص أنها إذا كانت جمال وفراهة يكسوها أحسن ما يكسو الخادمة، لأن العرف جري بذلك، ولأن للرجل أغراضاً في أن تكون جاريته لفراشه أحسن زياً وثياباً من الخادمة لاستمتاعه.
وأعلم أنه يختلف نفقة المملوك والمملوكة وكسوتهما باختلاف في حال السادات في عاداتهم وعسرهم ويسرهم وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "للملوك طعامه وشرابه بالمعروف".

الصفحة 530