كتاب بحر المذهب للروياني (اسم الجزء: 11)

والثالث: أن يقول: لله علي أن آتي مكة ماشياً، فحكمه ما ذكرنا إذا قال: لله علي أن أمشي إلى مكة.
فرع
إذا أوجبنا عليه الفدية عند ترك المشي فيه وجهان:
أحدهما: أنها فدية ترك المشي المشروط وتارك لما ركبه من نفقة الركوب، فصار كالمتمتع الذي وجبت عليه الفدية بترك الإحرام من ميقات بلده [37/ أ] في آخر نسكه، فعلى هذا تكون الفدية دم شاة، فإن أعسر بها صام عشرة أيام.
والثاني: أنها فدية ترفيه، لأنه ترفه في ترك المشي أو في مؤنه الركوب، فصار كفدية الحلق الذي ترفه به يكون مخيراً بين دم شاة، أو إطعام ثلاثة آصع، أو صيام ثلاثة أيام لما ذكرنا من خبر أخت عقبة بن عامر: "ولتصم ثلاثة أيام".
فرع آخر
إذا قال: لله علي أن أمشي إلى بيت الله تعالى، ولم يقل الحرام، ظاهر ما نقله المزني ينعقد النذر ويلزمه المشي إليها بنسك كالمسألة قبلها، لأن مطلق بيت الله يرجع إلى الكعبة.
وقال عامة أصحابنا: لا ينعقد نذره إلا أن ينوي بيت الله الحرام، لأن المساجد كلها بيوت الله تعالى، قال الله تعالى: [فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ] [النور: 36]، فإذا أطلق البيت احتمل البيت الحرام، واحتمل غيره من المساجد وهذا هو الصحيح، لأن الشافعي-رضي الله عنه- نص في "الأم" فقال: "إذا نذر أن يمشي إلى بيت الله ولا نية له، فالاختيار أن يمشي إلى بيت الله الحرام، ولا يجب عليه ذلك إلا أن ينويه، لأن المساجد بيوت الله"، فأسقط المزني ذكر الحرام وأخل بالنقل، فحصل قولان، والمسألة مشهورة بالوجهين. وقال في "الحاوي": إذا قال: علي المشي إلى بيت الله الحرام وأطلق ولم يقترن به إرادة، قال ابن أبي هريرة: هو مبني على اختلاف القولين فيمن أراد دخول مكة هل يلزمه الإحرام لدخوله؟ فيه قولان، فإذا قلنا: يلزمه فهنا ينعقد النذر على حج أو عمرة. وإذا قلنا: لا يلزمه ففي هذا وجهان تخريجاً من القولين فيمن نذر أن يمشي إلى مسجد المدينة. فإذا قلنا هناك يلزمه فهو قصد لا يجب به الإحرام، فكذلك قصد المسجد الحرام لا يلزمه فيه إحرام، ويكون النذر في جميعها مقصوراً على مجرد القصد لاشتراكهما في معنى الوجوب. وإذا قلنا [37/ ب] هناك لا يلزم، فإن لزمه النذر إلى المسجد الحرام لوجوب قصد المسجد الحرام شرعاً، فوجب نذراً بخلاف ذلك اقتضى افتراقهما في هذا التعليل أن يجب بقصد المسجد الحرام في النذر ما أوجب قصده بالشرع، وهذا التخريج وإن كان محتملاً فإنما يستعمل مع عدم النص،

الصفحة 7