كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 11/ 1)

على ظهر قلب. وأغلب مسائل "الشرح المطول"، و"المغني" لابن هشام، و "شرح السيد على المفتاح"، و "شرح الدماميني على التسهيل". تجري على طرف لسانه مهما تدعو الحاجة إلى الاستشهاد بشيء منها.
ولم يكن الأستاذ ممن يسارع إلى الاعتقاد بصدق من يخرج في زي المجذوبين، أو يدعي أنه من أرباب الولاية والكرامة، وظهر منه هذا الخلق في مجلس بعض رجال الدولة، فقالماله: اعتقد ولا تنتقد. فقال الأستاذ: ليس الاعتقاد مما تعتنقه النفس بمجرد الاختيار، وإنما هو من قبيل العلم الذي لا يرتسم فيها إلا بمؤثر من حجة وبرهان.
وكان يحارب الخرافات، والاَراء السخيفة، والأقوال المسندة إلى الشريعة بمجرد الدعوى، أو بأحاديث غير ثابتة، وكان يبدي رأيه بكل صراحة، وإن صادم المعروف بين شيوخ عصره؛ كإنكاره لوجود جبل قاف، ومشاهدة الجن بعين الباصرة، ويرى أن ما يزعم من ذلك إنما هو من قبيل تأثير الخيال.
أحرز الفقيد بين رجال الدولة مكانة إكبار وإجلال، وانتظم له هذا الأقبال إذ كان من أولي النظر الواسع في شؤون الاجتماع، وما تقتضيه المدنية الراقية، وكذلك كانت دروسه في علوم الشريعة مملوءة بالبحث عن أسرارها من حيث المطابقة لما تستدعيه مصالح الشعوب. ومن هذا الوجه كان للأستاذ حياتان: علمية، وسياسية، فاتخذه الوزير خير الدين باشا من مساعديه في تنظيم التعليم، وإصلاح الإدارة قبل الاحتلال، وتقلد وظيفة العمل بإدارة المال، مضافة إلى وظيفة التدريس بجامع الزيتونة.
سافر الأستاذ إلى إيطاليا مبعوثاً من طرف الحكومة التونسية قبل الاحتلال؛

الصفحة 184