كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 11/ 1)
ما دليلك على ما تقول من أن تعلم الجغرافية من الواجبات؟ قال: فلم أرد أن أطيل الحديث في الاستدلال بمثل قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60]، واخترت أن أورد كلمة تكون أقرب إلى فهم السائل، فقلت موجهاً الخطاب لصاحب المنزل: إذا صدرت إرادة السلطان، يأمرك أن تسير بقسم من الجيش إلى بعض بلاد العدو، وكنت تجهل المسافة التي بينك وبين ذلك البلد، ثم لم تكن على خبرة مما يوجد في تلك النواحي من ضروريات حياة الجند وما لا يوجد، فإنك بلا ريب تذهب على غير هدى، ولا تأمن أن يقع الجيش في تهلكة. فوقع الجواب من نفس الباشا موقع الارتياح والقبول.
وفيما حكى الأستاذ من هذه المحاورات: أن أحد المستشرقين سأله عن الوجه في إباحة الإسلام تزوج المسلم بالكتابية من مسيحية أو إسرائيلية، ومنعه المسلمة من أن تتزوج مسيحياً أو إسرائيلياً. وقال السائل: ما هذا الحكم إلا ضرب من التعصب في الدين! فأجابه الأستاذ: بأنه حكم قائم على حكمة عمرانية بالغة، وهي أن النكاح يقصد به التعاون على مرافق الحياة، وهذا الغرض لا يتحقق إلا مع التآلف، وانتظام حلّة المعاشرة، ومن المعروف أن المسلم يؤمن بالرسول الذي تؤمن به الكتابية، ويعتقد بصحة دينها في الجملة، فلا يتوقع أن يصدر منه ما يجرح إحساسها، ويكدر صفو المعاشرة بينهما، وأما الكتابي غير المسلم، فإنه لعدم إيمانه بصحة الإسلام وصدق الرسول الذي جاء بشريعته، قد يؤذي المسلمة بما يقذفه من كلمات يطعن بها في أصل دينها، أو ينال بها من كرامة الرسول الذي تعتنق شريعته.
وحكى لنا الفقيد: أن الأستاذ الشيخ محمد عبده تكلم على ضرورة
الصفحة 189
192