كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 11/ 2)

وقد حاز هذا الأسلوب الذي توخيته رضاء الدولة، وارتاحت له نفوس الطبقة العالية من أهل الفضل والعلم.
وكانت الدولة العلية حينئذ تصغي أذنها إلى المطالب العادلة، وأخذت تعمل على تنفيذها؛ كإنشاء مدارس يكون التعليم فيها باللسان العربي، وتشريك أبناء العرب في تقلد المناصب الكبيرة، وفتح باب حرية التحرير والخطابة في النوادي الجامعة على مصراعيه، إلى أن أقبلت سنة 1914 تجر من ورائها الحرب الطاحنة، وما كان مني إِلا أن أدرت القلم عن مواقع الإصلاح جملة، وأخذت أعمل على ما تقتضيه حال دولة ينشب بها العدو مخالبه من كل ناحية، وتساورها من تحت ثيابها.
ضئيلة .............. من الرقش في أنيابها السم ناقع
أما اعتقالي "بخان مردم بك" (¬1) ستة أشهر وأربعة عشر يوماً، فسببه
¬__________
(¬1) المكان المخصص لاعتقال رجال السياسة في عهد جمال باشا السفاح.
ومن أجمل الشعر ما قاله الإمام في سجنه:
غلَّ ذا الحبس يدي عن قلم ... كان لا يصحو عن الطرس فناما
هل يذود الغمض عن مقلته ... أو يلاقي بعده الموت الزؤاما
أنا لولا همة تحدو إلى ... خدمة الإسلام آثرت الحماما
ليست الدنيا وما يقسم من ... زهرها إلا سراباً أو جهاما
ومما قاله في السجن، وكان معه في الاعتقال الأستاذ سعدي ملا الذي أصبح رئيساً للوزارة في لبنان، وقد جرى بينهما حديث حول الحضارة والبداوة:
جرى سمر لما اعتقلنا بفندق ... ضحانا به ليل وسامرنا رمس
فقال رفيقي في شقا الحبس إن في الـ ... حضارة أنساً لا يقاس به أنس
فقلت له: فضل البدواة راجح ... وحسبك أن البدو ليس به حبس

الصفحة 43