كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 11/ 3)

حتى بلغت المحطة نفسها.
يلاقي التجار والعَمَلة عندهم الوارد بجباه منطلقة، وألسنة رطبة، ويعرضون عليه ما عندهم من صنوف الأشياء التي يطلبها من غير تقاعس ولا سآمة. ولهذا الأسلوب الأدبي الاقتصادي أثر عظيم في رواج البضائع، والسباق في مضمار التجارة؛ فإن من الناس من يقصر معاملته على محل، أو يبتاع منه البضاعة، ولو شطت قيمتها؛ رعاية لما يتجمل به صاحبها من سعة الصدر، ورقة الخطاب.
يغلب عليهم خلق الرصانة والتؤدة، ولا سيما في المشاهد العامة والنوادي الجامعة.
امتطيت ذات يوم قطار المدينة، فاتفق أن كان أمامي رجل أظهر في مغازلته لامرأة طيشاً وسفهاً، فوقع في خاطري أنه أجنبي عن هذه الحاضرة، ثم إنه جاذبني عند انصرافي محادثة عرفني بها أنه من أحد الشعوب البلقانية.
ومن آثار التعليم العام: أن أصبحت الأمة بمحل الثقة في نظر الحكومة، فالقطار الكهربائي ذو درجتين متفاضلتين، وتقطع أوراق الركوب بها من طاقات في أوائل محطاتها، ولا أذكر يوماً أن مفتشاً دخل عربات الدرجة العليا ونظر في أوراقها، بل فوضوا ذلك إلى وجدان الشعب وأمانته.
أما القطار البخاري الذي يسافر من العاصمة إلى قرى تبعد بمسيرة ساعتين أو أكثر، فيتردد عليه مفتش الأوراق في الشهر مرة.
وعلى ذكر البحث في الأخلاق والآداب، أذكر أني كنت أتجول في بعض الغابات حول قرية عن برلين نحو ساعة في القطار تسمى: "فيزدورف"، فخطرت على قلبي الموازنة بين المعارف والأخلاق، وبدا لي وقتئذ أن كفة الأخلاق

الصفحة 174