كتاب المعاملات المالية أصالة ومعاصرة (اسم الجزء: 11)
الشريعة تقضي بتحريم الربا فيما أخذ للاستهلاك فقط، وأن هذا هو ربا الجاهلية الذي وردت النصوص بتحريمه، دون ربا التنمية والإنتاج.
وبناء على هذا القول يكون أخذ الربا على الودائع البنكية حلالاً؛ لأن المقترض، وهو البنك إنما اقترض هذه الأموال من المودعين للتنمية والإنتاج، ولم يقترضها للاستهلاك في أكل وشرب ولبس، وسداد للديون ونحوها (¬١).
---------------
(¬١) هذه الشبهة تلقاها بعض المثقفين المسلمين عن علماء الاقتصاد الغربيين بدعوى أن تحريم الربا كان من الضروريات في الماضي، وأن إباحته في هذا العصر من الضروريات أيضًا، لأن الذين فيما مضى كان للاستهلاك، وأما الآن فهو للإنتاج.
انظر كتاب الربا في ضوء الكتاب والسنة، مقال منشور في مجلة البحوث الإِسلامية، في العدد الحادي عشر، لفضيلة الشيخ عبد الله عبد الغني الخياط.
وقد نقل السنهوري في كتابه مصادر الحق (٣/ ٢٣٣) عن معروف الدواليبي قوله: "يذهب الأستاذ معروف الدواليبي في المحاضرة التي ألقاها في مؤتمر الفقه الإِسلامي بباريس إلى أن الربا المحرم إنما يكون في القروض التي يقصد بها الاستهلاك لا الإنتاج، ففي هذه المنطقة -منطقة الاستهلاك- يستغل المرابون حاجة المعوزين والفقراء، ويرهقونهم بما يفرضون عليهم من ربا فاحش، أما اليوم، وقد تطورت النظم الاقتصادية، وانتشرت الشركات، وأصبحت القروض أكثرها قروض إنتاج لا قروض استهلاك، فإن من الواجب النظر فيما يقتضيه هذا التطور في الحضارة من تطور في الأحكام، ويتضح ذلك بوجه خاص عندما تقترض الشركات الكبيرة والحكومات من الجماهير وصغار المدخرين، فإن الآية تنعكس والوضع ينقلب، ويصبح المقترض (أي الشركات والحكومات) هو الجانب القوي المستغل، ويصبح المقرض (أي صغار المدخرين) هو الجانب الضعيف الذي تجب له الحماية.
فيجب إذن أن يكون لقروض الإنتاج حكمها في الفقه الإِسلامي، ويجب أن يتمشى هذا الحكم مع طبيعة هذه القروض، وهي طبيعة تغاير مغايرة تامة طبيعة قروض الاستهلاك، ولا تعدو الحال أحد أمرين.
إما أن تقوم الدولة بالإقراض للمنتجين.
وإما أن تباح قروض الإنتاج بقيود وفائدة معقولة، والحل الثاني هو الحل الصحيح. =