كتاب المعاملات المالية أصالة ومعاصرة (اسم الجزء: 11)
والثاني والثالث: ربا الفضل وربا النسيئة الواردين في الحديث النبوي الشريف، فتبيحهما الحاجة، وأن المنع منهما من قبيل سد الذريعة حتى لا يفضي ذلك إلى الربا المحرم القطعي.
وممن اتجه إلى هذا فضيلة الشيخ محمَّد رشيد رضا (¬١)،. . . . . .
---------------
(¬١) يقول الشيخ محمَّد رشيد رضا في كتابه الربا والمعاملات في الإِسلام (ص ٨٣): "وحديث النهي عن بيع النقدين، وأصول الأقوات إلا يدًا بيد مثلًا بمثل ليس تفسيرًا لربا القرآن، ولا حصرًا للربا في البيع، وإنما هو لسد الذريعة لارتكاب ربا القرآن، وإلا فهو لذاته ليس فيه من المفسدة ما يقتضي هذا الوعيد الشديد في آيات البقرة".
وقال أيضًا (ص ١٣٢): "وقد علمنا أن الله تعالى لم يحرم في كتابه إلا ربا النسيئة الذي هو أخذ الزيادة في المال لأجل تأخير ما في الذمة منه، الذي من شأنه أن يتضاعف، ويكون مخربًا للبيوت، ومفسدًا للعمران، ومبطلًا لفضائل التراحم، والتعاون بين الناس".
وقال أيضًا (ص ١٣٧ - ١٣٩): "إذا تمهد هذا ظهر به أن الحق في الربا الذي نهى الله تعالى عنه في كتابه، وتوعد فاعله بما لم يتوعد على ذنب آخر أنه ربا النسيئة الذي كان معروفاً في الجاهلية، كما قال من ذكرنا عباراتهم من إعلام العلماء المستقلين، والتابعين لبعض الأئمة في النظر والاستدلال، لا مجرد التعبد بالآراء والأقوال، ممن لا تعد آراؤهم، وأقوالهم حجة بإجماعهم، وإجماع الأمة كلها، وإمام هؤلاء القائلين بذلك حبر الأمة، وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ونعيد القول، ونكرره، بأنه: هو ما يؤخذ من المال لأجل تأخير الدين المستحق في الذمة إلى أجل آخر، مهما يكن أصل ذلك الدين من بيع، أو قرض، أو غيرهما، فلا يدخل في مفهومه ما يزاد في أصل الدين عند عقده على ما يعطى للمدين ربحًا له، وإنما هو ما يعطى لأجل تأخير الدين المستحق ... وبهذا تظهر حكمة العلم الحكيم في ذلك الوعيد الشديد عليه، وفي تسميته ظلمًا, ولا يظهر هذا في كل قرض جر نفعًا, ولا في بيع أحد الأجناس الستة بمثله متفاضلًا، نقدًا، أو نسيئة، فضلًا عن تثمير الأموال بالشركات التجارية التي لا تلتزم شروط الفقهاء فيها، كما يأتي بعد، وإنما يظهر من سبب النهي عن هذه البيوع أنه سد لذريعة الربا المحرم القطعي، وهذه الذريعة مظنونة لا قطعية ... وكذلك يقال في النهي عن بيع النقدين، وأصول الأغذية المذكورة في حديث عبادة إلا يدًا بيد، مثلًا بمثل إذا اتحد الجنس، والاكتفاء بالتقابض إذا اختلف". =