كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 11)

وخوَّفه من النار، فانصرفَ من عنده، فلم يزل في تبديد ماله حتى لم يبق له شيء، ثم جعل يستقرضُ على الله بعد ذلك (¬1).
[وقد ذكر القصة أبو القاسم ابن عساكر بهذا الإسناد عن أبي نُعيم (¬2)، وذكر فيها أن حبيب العجمي وقف على حلقة الحسن وقال: اين همي كوي. ومعناه بالفارسية: أيش يقول هذا؟ ].
وقال أبو جعفر السائح: كان حبيب تاجرًا يُقرض (¬3) الدراهم، فمرَّ ذات يوم بصبيان يلعبون، فقال بعضهم لبعض: قد جاء آكل الرِّبا. فنكَّس رأسه وقال: يا ربّ، أفشيتَ سِرِّي إلى الصِّبيان، وإنما كنتُ أُعيرُ الدراهم. فرجع إلى بيته، وقدَّم ماله كلَّه بين يديه، ولبس مِدْرَعَةَ شعر، ومرَّ بأولئك الصبيان، فقالوا: اسكتُوا، قد جاء حبيب الزاهد العابد. فبكى وقال: يا ربّ، الكلُّ منك.
[وذكر ابنُ عساكر أنه كان يُعير الدراهم].
[وقرأتُ على شيخنا موفق الدِّين رحمه الله من كتاب "التوَّابين" بإسناده قال (¬4): ] كان سببُ (¬5) إقبال حبيب على الآجلة، وانتقاله عن العاجلة، حضورَه مجلس الحسن، فوقعت موعظتُه في قلبه، فخرج عمَّا كان فيه، ثقةً بالله، ومستكفيًا (¬6) بضمانه، فاشترى نفسَه من الله عزَّ وجلّ، فتصدَّق (¬7) بأربعين ألف درهم [في] أربع دَفَعات؛ تصدَّقَ بعشرة آلاف درهم في أوَّل النهار، وقال: يا ربّ، قد اشتريتُ نفسي منك بهذه. ثم أَتْبَعَها
¬__________
(¬1) صفة الصفوة 3/ 315 - 316.
(¬2) تاريخ دمشق 4/ 169 (مصورة دار البشير). وهو في "حلية الأولياء" 6/ 149.
(¬3) في "تاريخ دمشق" 4/ 170 (مصورة دار البشير): يُعير (والخبر فيه) وسترد هذه اللفظة آخر الخبر بين حاصرتين من (ص).
(¬4) التوابين ص 214، وهو في "حلية الأولياء" 6/ 149. و"المنتظم" 7/ 127.
(¬5) في (ب) و (خ) و (د): وقال شيخنا موفق الدين: كان سبب ... والمثبت عبارة (ص) والكلام بين حاصرتين منها.
(¬6) في (ص) و"التوابين": مكتفيًا.
(¬7) في (ب): وتصدَّق.

الصفحة 100