كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 11)

لك مستعملك: ما منعتُك الدنيا بُخلًا (¬1)، ولكن ليستكمل نصيبُك من كرامتي، فطِبْ نفسًا، وقَرَّ عينًا، فعندي كلُّ ما تؤمِّلُ.
فبكى بكاءً شديدًا، فقالت: مالك؟ ! فقال: ويحك! إنما هو إلهى. فبكت المرأة وقالت: واللهِ لا عُدْتُ لمثلها (¬2).
[وحكى أحمد بن أبي الحواري قال: مرَّ حبيب بمصلوب، فوقف عليه وقال: بأبي ذلك اللسان الذي كنت تقول به: لا إله إلَّا الله. اللهم هَبْ لي ذنبَه. قال: وكان قد صلب ووجهه إلى الشرق، فأصبحت خشبتُه قد استدارت إلى القبلة] (¬3).
[ذكر وفاته]:
وتوفي بالبصرة في هذه السنة.
[وروى ابن أبي الدنيا عن أبي زكريا قال: ] وقالت امرأته: كان يقول: إن مِتُّ اليوم، فأرسلي إلى فلان يغسّلني، وافعلي كذا وكذا. يقول ذلك كلَّ يوم (¬4).
وقال عبد الواحد بنُ زيد: جزع حبيب عند الموت جَزَعًا شديدًا، فكان يقول بالفارسية: أريدُ أن أسافر سفرًا ما سافرتُه قطّ، وأسلكَ طريقًا ما سلكتُه قطّ، وأزورَ سيِّدي ومولاي ما (¬5) رأيتُه قطّ، وأدخلَ تحت التراب، فأبقى فيه إلى يوم القيامة، ثم يُوقِفُني بين يديه، فأخاف أن يقول: يا حبيب، هل جئتَني بتسبيحة واحدة في ستين سنة لم يظفر بك الشيطان فيها بشيء؟ فماذا أقول وليس لي حيلة؟ أقول: ها يا ربّ قد أتيتُك مقبوضَ اليدين إلى عنقي.
قال عبد الواحد بن زيد: فهذا عَبَدَ اللهَ ستين سنةً لم يشتغل بغير العبادة، ولم يتلبَّس من الدنيا بشيء قطّ، فكيف يكون حالُنا نحن؟ واغوثاه بالله (¬6)! .
¬__________
(¬1) كلمة "بخلًا" ليست في (ص).
(¬2) لم أقف على هذا الخبر.
(¬3) الكلام بين حاصرتين من (ص)، وهو في "تاريخ دمشق" 4/ 177 (مصورة دار البشير).
(¬4) تاريخ دمشق 4/ 178 (مصورة دار البشير).
(¬5) في (ب) و (خ) و (د): وما. والمثبت من (ص). وهو موافق لما في "تاريخ دمشق" 4/ 177 - 178.
(¬6) تاريخ دمشق 4/ 177 - 178، وصفة الصفوة 3/ 320 - 321.

الصفحة 105