كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 11)

وقال خالد بنُ صفوان لعمرو بن عبيد: لِمَ لا تأخذُ مني؟ فقال: ما أخذَ أحدٌ من أحدٍ شيئًا إلَّا ذلَّ له، وأنا أكرهُ أن أَذِلَّ لك (¬1).
وتفاخرَ الأبرش الكلبيّ وخالد بين يدي هشام بن عبد الملك، فقال الأبرش: لنا رُبْع البيت -يريد الرُّكنَ اليمانيّ- ومنَّا حاتم الطائيّ، والمُهَلَّبُ بنُ أبي صُفْرة. فقال خالد: منَّا النبيُّ المُرسل، ولنا الكتابُ المُنزل، ولنا الخليفةُ المؤمَّل. فقال الأبرش: لا فاخرتُ مُضَريًّا بعد اليوم (¬2).
ووفد على هشام قومٌ من اليمن من كلب، ففخروا بقومهم، فأكثروا، فقال هشام لخالد (¬3): أَجِبْهُم. فقال: يا أمير المؤمنين، هم بين حائكِ بُرْد، ودابغ جِلْد، وسائسِ قِرْد، ملكَتْهُم امرأةٌ، ودَلَّ عليهم هُدْهُد، وأغرقَتْهم فأرة. فلم تقم بعدها ليمانيّ قائمة.
وسئل الحسن البصري عن قوله تعالى: {قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا} [مريم: 24] فقال: كان - واللهِ - عيسى - عليه السلام - سريًّا. فقال له خالد: يا أبا سعيد، إنَّ العرب تسمي الجدولَ: السَّرِيَّ. فقال له الحسن: صدقتَ (¬4).
وكان أمية بنُ عبد الله بن أَسِيد عاملَ عبد الملك على البصرة، وكان يحارب أبا فُديك الخارجي، فهزمه (¬5)، فدخل البصرة، فقال الناسُ: كيف ندعو لمنهزم؟ ! فقام خالد بن صفوان فقال: بارك الله لك أيُّها الأمير في قدومك، والحمد لله الذي نظر لنا [عليك] ولم ينظر لك (¬6) [علينا] فقد تعرَّضْتَ للشهادة جُهْدَك، لكن علمَ اللهُ حاجتَنا إليك، فآثَرَنا بك، ولك عند الله ما تحبُّ.
¬__________
(¬1) تاريخ دمشق 5/ 476 (مصورة دار البشير).
(¬2) العقد الفريد 3/ 330 و 4/ 46، وبنحوه مختصر في "أنساب الأشراف" 11/ 359 في المفاخرة على باب الحجاج.
(¬3) كذا في "الأذكياء" ص 158. وفي رواية "عيون الأخبار" 1/ 217: فَخَرَ ناسٌ من بني الحارث بن كعب عند أبي العباس، فقال أبو العباس لخالد ... وكذا هو في "أنساب الأشراف" 11/ 367، والخبر فيه بنحوه.
(¬4) فضائل القرآن لأبي عبيد ص 206 - 207، وتاريخ دمشق 5/ 496.
(¬5) يعني هزَمَه أبو فُديك.
(¬6) في (ب) و (خ) و (د): لنا، بدل: لك. والمثبت من "تاريخ دمشق" 5/ 469، وما بين حاصرتين منه، وهو بنحوه في "أنساب الأشراف" 11/ 356 - 357.

الصفحة 141