كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 11)

وشهرَه، ونكَّل به، وتركَه في الشمس مُلْقًى في حرِّ مكة، وصبَّ عليه الزيت، وعذَّبه والنساء يبكين عليه، فقال:
سينصرُني الخليفةُ بعدَ رَبِّي ... ويغضبُ حين يُخبَرُ عن مَسَاقي
عليَّ عَبَاءةٌ برقاءُ (¬1) ليسَتْ ... مع البلوى تُغَيِّبُ نصفَ ساقي
وتغضبُ لي بأجمعها قُصَيٌّ ... قَطِينُ البيتِ والدُّمْثِ الدِّقاقِ (¬2)
فكم من كاعبٍ حوراءَ بِكْرٍ ... أَلُوفِ السِّتْرِ واضحةِ التَّراقي
بكَتْ جَزَعًا وقد سُمِرت كُبُولي ... وجامعةٌ يُشَدُّ بها وَثاقي (¬3)
فلما لم يُغَث قال:
أضاعُوني وأيَّ فتًى أضاعُوا ... ليومِ كريهةٍ وسِدَادِ ثَغْرِ
وخَلَّوْني بمعترك (¬4) المنايا ... وقد شُرعت أسِنَّتُها لنحري
كأنِّي لم أكن فيهم وسيطًا ... ولم تكُ نسبتي في آلِ عَمْرِو (¬5)
ويقال: إن هذا الشعر لمحمد بن القاسم الثقفي، وإنَّما تمثَّل به العَرْجيّ.
وقال إسحاق المولى: غَنَّيتُ الرشيدَ يومًا: أضاعوني، الأبيات، فقال: هذا لمن؟ قلت: للعَرْجيّ. وأخبرتُه خبرَه وما جرى عليه، فتغيَّر وجهُه، وغضب، وقال: وما جرى على مَنْ فعل به ذلك؟ قلت: إن الوليد بن يزيد قتلَ محمدًا وأخاه إبراهيم. فأسفرَ وجهُه وقال: واللهِ لولا ما (¬6) أخبرتني بأن الوليد قتلهما لما تركتُ أحدًا من بني مخزوم إلا قتلتُه.
وقال الزُّبير بن بكَّار: كان أبو السائب المخزوميُّ ظريفًا، سمع منشدًا يُنشد بمكةَ قولَ العَرْجيّ:
¬__________
(¬1) في "الأغاني" 1/ 411 و 412: بلقاء.
(¬2) الدُّمْث: جمع دمثاء، وهي الأرض السهلة اللينة.
(¬3) في "الأغاني" 1/ 411: خِناقي. والأبيات الثلاثة الأولى في "تاريخ دمشق" 37/ 134 - 135.
(¬4) في المصدر السابق 1/ 413: وصبر عند معترك.
(¬5) المصدر السابق، وتاريخ دمشق 37/ 135. وينظر "نسب قريش" ص 118.
(¬6) في (ب) و (خ): لا، بدل: لولا ما. والمثبت من "الأغاني" 1/ 416، والخبر فيه بنحوه.

الصفحة 28