كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 11)

البيضاء، والتِّنِّين من ورائي، فصاح بعضُ الملائكة: ارفعوا السُّتور، فلعلَّ أن يكونَ لهذا البائسِ فيكم وديعةٌ تُجيرُه من عدوِّه، فرُفِعَتْ تلك السُّتور، وأشرفَ من تلك الكُوَى أطفالٌ كأنَّ وجوهَهم الأقمار وقَرُبَ التِّنِّينُ منِّي، وإذا بابنتي التي ماتَتْ فيهم، فلمَّا رأَتْني صاحَتْ: أبي واللهِ. ثم وثَبَتْ في كَفَّةٍ من نور، وأشارَتْ إلى التِّنِّين، فولَّى هاربًا، ثم قعَدَتْ في حِجْري، ومدَّت يدَها إلى لِحْيتي، وقالت: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحديد: 16]؟ فبكَيتُ وقلت: بلى. ثم قلت: ما هذا التِّنِّين؟ فقالت: عملُك السَّيِّءُ؛ قَوَّيتَهُ، فأرادَ أن يُغرقَك في نار جهنَّم. قلت: فذاك الشيخ؟ قالت: عملُك الصالح؛ أضْعَفْتَه. قلتُ: فما تصنعون في هذا الجبل؟ قالت: نحن أطفالُ المسلمين قد أُسْكنَّا في هذا الجبل إلى يوم القيامة ننتظرُ قُدومَكم عليمْا، فنشفعَ لكم.
قال: فانتبهتُ فَزِعًا، وأصبحتُ تائبًا إلى الله عزَّ وجلّ (¬1).
ذكر طرف من أخباره:
روى أبو الشعثاء أنَّه كان يكتب المصاحف؛ يكتبُ المصحف في أربعة أشهر ولا يشرط أُجرةً، فإذا جيء بالأُجرة؛ فإن كان ذلك دون حقِّه أخذَه، وإن كان أكثرَ من حقِّه أخَذَ حقه، وردَّ الباقي (¬2).
وقال عبد الله بن الإمام أحمد: حدَّثني [محمد] بنُ كُليب، عن يوسف بن عطيَّة قال: قال مالك بن دينار: مَنْ دخلَ بيتي فأخَذَ شيئًا فهو حلالٌ له، أمَّا أنا فلا أحتاجُ إلى قُفل ومفتاح (¬3).
وروى عبد الله بن الإمام أحمد أيضًا عن عليّ بن مسلم، عن سيَّار قال: قال مالك بن دينار لرجل من أصحابه (¬4): إني لأشتهي رغيفًا بلبن قال: فجاءه الرجلُ به، فجعل
¬__________
(¬1) الخبر في "التوابين" ص 215 - 218. باختلاف يسير.
(¬2) الخبر في "حلية الأولياء" 2/ 368 عن سيَّار، عن جعفر. وأخرجه من طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 66/ 56 (طبعة مجمع دمشق). وأما قول أبي الشعثاء (وهو جابر بن زيد) فقد ورد في خبر آخر في "تاريخ دمشق" قبل هذا الخبر.
(¬3) حلية الأولياء 2/ 367، وتاريخ دمشق 66/ 62.
(¬4) من قوله: ذكر طرف من أخباره ... إلى هذا الموضع؛ لفظه من (ص) ووقع في (خ) و (د) مختصرًا.

الصفحة 427