كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 11)

وحكى عنه ابن باكويه أنَّه قال: مَثَلُ قُرَّاءِ زماننا كرجل نصبَ فَخًّا، وجعل فيه حبَّةَ بُرٍّ، فجاء عصفور، فوقف عليه وقال: ما غَيَّبَك في التراب؟ قال: التواضع. قال: فلأيِّ شيءٍ انحنَيتَ؟ قال: من طول العبادة. قال: فما هذه البُرَّة (¬1) المنصوبة فيك؟ قال: أعددتُها للصائمين. فلما كان وقتُ المغرب؛ دنا العصفور منها ليأخذَها، فخنَقَه الفَخُّ، فقال العصفور: إن كان كلُّ العُبَّاد مثلَك، فلا خير في العُبَّاد اليوم (¬2).
وروى عن جعفر بن سليمان الضُّبَعِيّ قال: مرَّ والي البصرة بمالك وهو يتبختر في مشيته، فصاح به مالك: أقْلِلْ من مِشْيَتِك، فهذه مِشيَةٌ يُبغِضُها اللهُ ورسولُه. فهمَّ به أعوانُه، فقال: دعوه. ثم قال: يا مالك، ما أُراك تعرفُني. فقال مالك بن دينار: ومَنْ أَعْرَفُ بك منِّي؟ أمَّا أوَّلُك فنُطفةٌ مَذِرَة، وأمَّا آخِرُك فجيفةٌ قَذِرة، وأنت فيما بين ذلك تحملُ العَذِرَة. فنكس الوالي رأسه ومضى (¬3).
وقال مالك: إن البَدَنَ إذا سَقِمَ، لم ينجعْ فيه طعامٌ ولا شراب؛ فكذا القلبُ إذا عَلِقَه حبُّ الدنيا (¬4).
وروى ابن أبي الدنيا عن مالك بن دينار قال: كفى بالمرء إثمًا أن يكونَ أمينًا للخَوَنَة، وكفى بالمرء شرًّا أن لا يكون صالحًا ويقعَ في الصَّالحين (¬5).
قال: وقال مالك بن دينار: إذا لم تكن صادقًا فلا تَتَعَنَّى (¬6).
قال: وقال مالك بن دينار: يقول الله في بعض الكتب: إنَّ أهْونَ ما أنا صانع بالعَالِمِ إذا أَحَبَّ الدُّنيا أنْ أُخرِجَ حلاوةَ ذِكْرِي من قلبه (¬7).
¬__________
(¬1) يعني حبَّة البُرّ (القمح).
(¬2) صفة الصفوة 3/ 276.
(¬3) بنحوه في "حلية الأولياء" 2/ 385، و"تاريخ دمشق" 66/ 83، و"صفة الصفوة" 3/ 276 - 277.
(¬4) الزهد (142)، وحلية الأولياء 2/ 363، وتاريخ دمشق 66/ 85. ولم يرد هذا الخبر في (ص).
(¬5) بنحوه في "حلية الأولياء" 2/ 373، و"تاريخ دمشق" 66/ 91، و"صفة الصفوة" 3/ 282.
(¬6) صفة الصفوة 3/ 283. والتَّعنِّي: النَّصَب.
(¬7) حلية الأولياء 2/ 360، وصفة الصفوة 3/ 280.

الصفحة 430