كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 11)

وقال إسماعيل بن عبد الله القسريّ: دعاني مروان، فقال لي: يا أبا هاشم -وما كنَّاني قبلها-: ما تقول؟ فأنتَ الموثوقُ به، ولا عِطْرَ بعدَ عروس. فقلت: علامَ أجمعتَ يا أمير المؤمنين؟ فقال: أرتحلُ بمواليَّ وأهلي ومن تبعني، وأقطعُ الدَّربَ، وأنزلُ ببعض مدائن الرّوم، وأكتبُ إلى قيصر وأستوثقُ منه، وما ذاك بعار، قد فعلَه قبلي غيري من الأعاجم، ولا يزال يأتيني الفارُّ والطامع حتَّى يكشفَ الله أمري وينصرَني على عدوِّي. فلما رأيتُ ما أجمعَ عليه -وكان هو الرأي- ولكني رأيتُ بلاءه في نزار (¬1) وآثاره فيهم، فقلتُ: أُعيذُك بالله من هذا الرأي أن يحكمَ فيك وفي بناتك وحُرُمِك وأهلِ بيتك أهلُ الشِّرك، ولو حدثَ بك حادثٌ؛ ضاعَ من معك، ولكن اقطع الفرات، ثم استَنْفِرْ أهلَ الشام جندًا جندًا، فإن لك في كل بلدة عُدَّةً (¬2) وصنائع، يسيرون معك، فإن استظهرتَ، وإلا مضَيتَ إلى إفريقية، فهي بلادٌ واسعة. فقال: هذا هو الرأي.
فلما قطع مروان الفرات؛ لم يتبعه من قيس إلا رجلان: الكوثر بن الأسود الغَنَويّ، وابن جذيمة (¬3) السُّلَميّ، وكان أخا مروان من الرَّضاعة، ولم ينفع مروانَ عصبيَّتُه للنِّزاريَّة شيئًا، بل غدرُوا به وخانوه وخذلوه، وكلما اجتاز ببلدٍ هم فيه؛ نهبُوه لمَّا رأَوا من إدبار الأمر عنه، فحينئذٍ علمَ أنَّ إسماعيل غَشَّه (¬4).
وقال مروان وهو منهزم لخادمه بَسِيل -وكان حازمًا-: يا بَسِيل، واأَسَفَى على دولةٍ ما نُصِرَتْ، ويدٍ ما ظَفِرَتْ، ونعمةٍ ما شُكِرَتْ! فقال له الخادم: مَنْ أمَهَلَ الصغير حتَّى يَكْبَر، واليسيرَ حتَّى يكثر، والخفيَّ حتَّى يظهر؛ أصابَه مثلُ هذا. فقال مروان: إذا انقضت المدَّة لم تنفع العُدَّة (¬5)، وأنشد:
إذا أقبلَتْ كانت تُقادُ بشعرةٍ ... وإن أدْبَرَتْ مَرَّتْ تَقُدُّ السَّلاسِلا
¬__________
(¬1) في "مروج الذهب" 6/ 83: قحطان.
(¬2) في المصدر السابق (والكلام فيه بنحوه): عزة.
(¬3) في "مروج الذهب" 6/ 84: ابن حمزة.
(¬4) الخبر بتمامه في "مروج الذهب" 6/ 83 - 85 باختلاف يسير. وينظر "أنساب الأشراف"7/ 652 - 653.
(¬5) بنحوه في "تاريخ دمشق" 67/ 22 (طبعة مجمع دمشق).

الصفحة 443