كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 11)

وخوَّفَنا، فبكَينا، فلما فرغَ من قصصه قال: اختموا مجلسَنا بلعنةِ أبي تراب. فلعنوا أبا تراب.
[قال الجُنيد: ] فقلتُ لمن عن يميني: ومَنْ أبو تراب؟ فقال: عليُّ بنُ أبي طالب ابنُ عمِّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زوجُ ابنتِه، وأبو الحسن والحسين. قال الجُنيد: فقمتُ إليه -وكان ذا وَفْرَة- فأخذت بوَفْرَتِه وجعلتُ ألطمُ وجهَه ورأسَه بالحائط، وصاحَ، واجتمعَ الناسُ، فوضعوا ردائي في عنقي وساقُوني إلى هشام [بن عبد الملك] والقاصّ يمشي قدَّامي، فدخلنا على هشام، فصاح أبو شيبة: يا أمير المؤمنين، قاصُّك وقاصُّ آبائك وأجدادك يُفعل به هذا؟ قال: ومَنْ فعلَه؟ فأشار إليَّ، فقال لي هشام وعنده أشراف الناس: أبو يحيى! متى قدمتَ؟ فقلت: أمسِ، وكنتُ على المصير إلى أمير المؤمنين، فأدركَتْني الجمعةُ وصلَّيت، وخرجتُ إلى باب الدرج (¬1)، فإذا هذا الشيخُ يقصُّ على الناس، فبكَينا، ودعا فأمَّنَّا، ثم قال: اختموا مجلسَنا بلعنةِ أبي تراب، فسألتُ: من أبو تراب (¬2)؟ فقال لي رجل: علي بنُ أبي طالب، ابنُ عمِّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وصهرُه على ابنتِه، وأوَّلُ القوم إسلامًا. فواللهِ لو ذكرَ قرابةً لك بمثل هذا لفعلتُ به ما فعلتُ، أفلا أغضبُ لابن عمِّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ! فقال هشام: بئس ما صنع! ثم عقدَ لي على السِّند، وقال لجلسائه: مثلُ هذا لا يُجاورُني في بلد (¬3) فيُفسدَ عليَّ البلد. فباعَدَ بِهِ إلى السِّند.
رَوَى ذلك ابنُ عساكر عن جُنادة بن عَمرو بن الجُنيد بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن جدِّه الجُنيد.
قال: فمضى، فماتَ بالسِّند، وهو على باب السِّند مُصَوَّرٌ، بيده اليمنى سيف، وفي [يده] الآخرى كيس يُعطي منه الدراهم (¬4).
¬__________
(¬1) في (ب) و (خ) و (د): الجامع. والمثبت من (ص)، وهو موافق لما في "تاريخ دمشق" (4/ 27 (مصورة دار البشير- ترجمة جنادة بن عمرو)، وسلف ذكره أول الخبر.
(¬2) في (ص): عن أبي تراب.
(¬3) في (ص): البلد.
(¬4) الخبر بتمامه في "تاريخ دمشق" 4/ 27 - 28 (مصورة دار البشير- ترجمة جُنادة بن عمرو).

الصفحة 46