كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 11)

وكان يقول (¬1): أين كانت حلومُنا في نسائنا؟ ! ألا زوَّجْنَاهنَّ من أكفائنا من قريش، فكُفينا مؤنتهنَّ اليوم.
قال الخطيب (¬2): وكان عبدُ الله وليَّ عهدِ أبيه بعد أخيه عُبيد الله (¬3)، وأقام بأرض النُّوبة زمانًا، ثم رجع إلى الشام مستخفيًا في أيَّام المهديّ، فأُخِذَ وحُمل إلى بغداد، فحبسه المهديّ بها حتى مات في حبسه.
وقال سليمان بن [أبي] جعفر: كنتُ واقفًا ليلة على رأس أبي؛ المنصور، وعنده عمومتُه: إسماعيل، وسليمان، وصالح، [وعيسى] فتذاكروا أيَّام بني أمية وما صنع بهم عبدُ الله، وقَتْلَ مَنْ قَتَلَ منهم بنهر فُطْرُس، فقال أبو جعفر: ألا مَنَّ عليهم لِيَرَوْا من دولتنا ما رَأَينا من دولتهم، ويرغبُوا إلينا كما رَغِبْنا إليهم؟ ! فقد -لعمري- عاشوا سُعداء، وماتوا فُقداء.
فقال إسماعيلُ بنُ علي: يا أمير المؤمنين، إنَّ في حبسك منهم عبدَ الله (¬4) ابنَ مروان، وقد كانَتْ له قصةٌ عجيبة مع ملك النُّوبة، فابعثْ إليه فسَلْهُ عليها، فقال: يا مُسَيِّب، عليَّ به.
فأُخرجَ فتًى مقيَّدٌ بقيدٍ ثقيل، وغُلٍّ ثقيل، فمثَلَ بين يديه، وسلَّم عليه بالخلافة، فقال: يا عبد الله (¬5)، رَدُّ السلام أَمْنٌ، ولم تسمح نفسي لك بذلك بعد، ولكن اقْعُدْ. وجاؤوا بوسادة فثُنيت، فقعد عليها، فقال له: قد بلغني أنه كانت لك قصةٌ مع ملك النُّوبة، فحدِّثْني بها. فقال: يا أمير المؤمنين، والذي أكرمَك بالخلافة، ما أقدرُ على النفس من ثقل الحديد، ولقد صَدِئ قَيدي ممَّا أُرَشِّشُ عليه من البَوْل، وأصبُّ عليه الماء في أوقات الصلوات، فقال: يا مسيَّب، أطلق عنه حديدَه. فأطلَقَه.
¬__________
(¬1) ذكره مولى لمروان عن مروان أنه قاله وهو هارب. ينظر المصدر السابق.
(¬2) في "تاريخ بغداد" 11/ 385.
(¬3) قوله: بعد أخيه عُبيد الله، ليس في "تاريخ بغداد".
(¬4) في "تاريخ دمشق" 44/ 418 (طبعة مجمع دمشق): عُبيد الله، وقد أورده ابن عساكر في ترجمته. وسلف في الخبر قبله أن عُبيد الله قُتل في مسيره إلى اليمن. وقال ابن عساكر آخر الخبر: قيل: إن الذي حكى هذه الحكاية عبد الله.
(¬5) في "تاريخ دمشق": عُبيد الله. وينظر التعليق السابق.

الصفحة 479