كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 11)

وقال سفيان بن عُيينة: كان منصور قد عَمِشَ من البكاء؛ كانت له خرقة ينشّف بها الدموع، وزعموا أنه صام ستين سنة، وقام ليلَها (¬1).
وقال زائدة بن قُدامة: صام منصور أربعين سنة (¬2)؟ [صام] (¬3) نهارها وقام (¬4) ليلَها، وكان يبكي الليل كلَّه، فتقول له أمُّه: يا بني، قتلت قتيلًا! فيقول: أنا أعلم ما صنعتُ بنفسي. فإذا أصبحَ كَحَلَ عينيه، ودهَنَ رأسَه، وبرَّق شفتيه، وخرج إلى الناس، فأخذَه يوسفُ بنُ عمر عاملُ الكوفة، فأراده على القضاء، فامتنع.
قال زائدة: فدخلتُ عليه وقد جيء بالقيد ليُقيَّد، فجاءه خصمان، فقعدا بين يديه، فلم يسألهما, ولم يكلِّمهما. وقيل ليوسف: لو نثرتَ لحمه؛ لم يلِ لك قضاءً. فخلَّى عنه.
وقال أبو عَوَانة: لما أُجلس للقضاء؛ كان يأتيه الرَّجلُ فيقصُّ عليه أمرَه، فيقول: قد فهمتُ ما قلتَ، ولكن ما أدري ما الجواب. وبلغَ ابنَ فبيوة فقال: هذا أمرٌ لا يصلح إلا أن نعينَ عليه صاحبَه بشهوة. فتركه.
وقال [العلاء بن] (¬5) سالم العبدي: كان منصور يصلِّي في سطحه، فلما مات؟ قال غلامٌ لأمه: يا أمَّاه، الجِذْعُ الذي كان في سطح منصور؛ ما أراه؟ فقالت: ليس ذاك بجذع، ذاك منصور، وقد مات!
وقيل: كان منصور يحيي الليلَ كلَّه في ركعة لا يركع فيها ولا يسجد.
وقال سفيان: إنما كان الليلُ مطيَّةً عند منصور من المطايا متى شاء ارتحل (¬6).
أسند عن أنس (¬7) وغيره، وكان ثقةً مأمونًا عاليًا رفيعًا، كثيرَ الحديث (¬8).
¬__________
(¬1) طبقات ابن سعد 8/ 456.
(¬2) صفة الصفوة 3/ 112. وفي "حلية الأولياء" 5/ 41 عن زائدة وسفيان: ستين سنة.
(¬3) ما بين حاصرتين من "صفة الصفوة". وفي "الحلية": يصوم.
(¬4) في (خ) و (د): وقيام، والمثبت من "صفة الصفوة". وفي "الحلية": يقوم.
(¬5) ما بين حاصرتين من المصدرين السابقين.
(¬6) في "صفة الصفوة" 3/ 114: ارتحله.
(¬7) كذا ذكر أبو نُعيم في "حلية الأولياء" 5/ 42، وابن الجوزي في "صفة الصفوة" 3/ 115، غير أن الذهبي قال في "سير أعلام النبلاء" 5/ 402: ما علمتُ له رحلة ولا رواية عن أحد من الصحابة.
(¬8) تنظر الأقوال السالفة في "حلية الأولياء" 5/ 40 - 42.

الصفحة 485