كتاب السنن (المعروف بالسنن الكبرى) للنسائي - ط التأصيل (اسم الجزء: 11)
قَالَتْ: وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلاً صَالِحًا، وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الحَمِيَّةُ، فَقَالَ لِسَعْدِ بنِ مُعَاذٍ: كَذَبْتَ، لَعَمْرُ اللهِ لا تَقْتُلُهُ، وَلا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ، فَقَامَ أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ، وَهُوَ ابنُ عَمِّ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ، فَقَالَ لِسَعْدِ بنِ عُبَادَةَ: كَذَبْتَ، لَعَمْرُ اللهِ، لَيَقْتُلَنَّهُ، فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ المُنَافِقِينَ، فَثَارَ حيَّانِ الأَوْسُ وَالخَزْرَجُ، حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا، وَرَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وسَلم قَائِمٌ عَلَى المِنْبَرِ، فَلَمْ يَزَلْ يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا وَسَكَتَ، قَالَتْ: وَبَكَيْتُ يَوْمِي ذَلِكَ كله، لا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وَلا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، وَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي، وَقَدْ بَقِيتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْمًا لا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، ولا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ, حَتَّى إِنِّي لأَظُنُّ أَنَّ البُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي، فَبَيْنَا أَبَوَايَ جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي، اسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَأَذِنْتُ لَهَا، فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي، فَبَيْنَمَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ، دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وسَلم فَسَلَّمَ، ثُمَّ جَلَسَ وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ مَا قِيلَ قَبْلَهَا، وَلَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لا يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي بِشَيْءٍ، فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وسَلم حِينَ جَلَسَ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ، فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللهُ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ، فَإِنَّ العَبدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبٍ، ثُمَّ تَابَ، تَابَ اللهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وسَلم مَقَالَتَهُ، قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً، وَقُلْتُ لأَبي: أَجِبْ رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وسَلم فِيمَا قَالَ، فَقَالَ: وَاللهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وسَلم، فَقُلْتُ لأُمِّي: أَجِيبِي رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وسَلم فِيمَا قَالَ، قَالَتْ: وَاللهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وسَلم، فَقُلْتُ وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، لا أَقْرَأُ مِنَ القُرْآنِ كَثِيرًا: إِنِّي وَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَقَدْ سَمِعْتُمْ هَذَا الحَدِيثَ، حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي أَنْفُسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ، وَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ: إِنِّي بَرِيئَةٌ، لا تُصَدِّقُونِي، وَلَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ، وَاللهُ يَعْلَمُ أَنِّي مِنْهُ بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُنِّي، فَوَاللَّهِ لا أَجِدُ لِي مَثَلاً وَلا لَكُمْ إِلاَّ أَبَا يُوسُفَ حِينَ قَالَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ المُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}،
الصفحة 43