كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 11)
ضَحْوَةُ النَّهَارِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، ثُمَّ بَعْدَهُ الضحا وَهِيَ حِينَ تُشْرِقُ الشَّمْسُ، مَقْصُورَةً تُؤَنَّثُ وَتُذَكَّرُ، فَمَنْ أَنَّثَ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهَا جَمْعُ ضَحْوَةٍ، وَمَنْ ذَكَّرَ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ اسْمٌ عَلَى فِعْلٍ مِثْلَ صُرَدٍ وَنُغَرٍ، وَهُوَ ظَرْفٌ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِثْلَ سَحَرٍ، تَقُولُ: لَقِيتُهُ ضُحًا، وَضُحَا إذ أَرَدْتَ بِهِ ضُحَا يَوْمِكَ لَمْ تُنَوِّنْهُ، ثُمَّ بَعْدَهُ الضَّحَاءُ مَمْدُودٌ مُذَكَّرٌ، وَهُوَ عِنْدَ ارْتِفَاعِ النهار الأعلى. وخص الضحا لِأَنَّهُ أَوَّلُ النَّهَارِ، فَلَوِ امْتَدَّ الْأَمْرُ فِيمَا بَيْنَهُمْ كَانَ فِي النَّهَارِ مُتَّسَعٌ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَالْجَحْدَرِيِّ وَغَيْرِهِمَا:" وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى ٢٠: ٥٩" عَلَى مَعْنَى وَأَنْ يَحْشُرَ اللَّهُ النَّاسَ وَنَحْوِهِ. وَعَنْ بَعْضِ الْقُرَّاءِ" وَأَنْ تَحْشُرَ النَّاسَ" وَالْمَعْنَى وَأَنْ تَحْشُرَ أَنْتَ يَا فِرْعَوْنُ النَّاسَ وَعَنِ الْجَحْدَرِيِّ أَيْضًا" وَأَنْ نَحْشُرَ" بِالنُّونِ وَإِنَّمَا وَاعَدَهُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ لِيَكُونَ عُلُوُّ كَلِمَةِ اللَّهِ، وَظُهُورُ دِينِهِ، وَكَبْتُ الْكَافِرِ، وَزُهُوقُ الْبَاطِلِ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ، وَفِي الْمَجْمَعِ الْغَاصِّ لِتَقْوَى رَغْبَةُ مَنْ رَغِبَ فِي الْحَقِّ، وَيَكِلَّ حَدَّ الْمُبْطِلِينَ وَأَشْيَاعِهِمْ، وَيُكْثِرَ الْمُحَدِّثُ بِذَلِكَ الْأَمْرِ الْعِلْمَ فِي كُلِّ بَدْوٍ وَحَضَرٍ، وَيَشِيعَ فِي جَمْعِ أَهْلِ الْوَبَرِ وَالْمَدَرِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ) ٢٠: ٦٠ أَيْ حِيَلَهُ وَسِحْرَهُ، وَالْمُرَادُ جَمْعُ السَّحَرَةِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانُوا اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ سَاحِرًا، مَعَ كُلِّ سَاحِرٍ مِنْهُمْ حِبَالٌ وَعِصِيٌّ. وَقِيلَ: كَانُوا أَرْبَعَمِائَةٍ. وَقِيلَ: كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا. وَقِيلَ: أربعة عشرا أَلْفًا. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْكَدِرِ: كَانُوا ثَمَانِينَ أَلْفًا. وقيل: كانوا مجتمعين عَلَى رَئِيسٍ يُقَالُ لَهُ شَمْعُونُ. وَقِيلَ: كَانَ اسْمُهُ يُوحَنَّا مَعَهُ اثْنَا عَشَرَ نَقِيبًا، مَعَ كُلِّ نَقِيبٍ عِشْرُونَ عَرِيفًا، مَعَ كُلِّ عَرِيفٍ ألف ساحر. وقيل كانوا ثلاثمائة ألف ساحر من الفيوم، وَثَلَاثَمِائَةِ أَلْفِ سَاحِرٍ مِنَ الصَّعِيدِ، وَثَلَاثَمِائَةِ أَلْفِ سَاحِرٍ مِنَ الرِّيفِ، فَصَارُوا تِسْعَمِائَةِ أَلْفٍ وَكَانَ رَئِيسُهُمْ أَعْمَى. (ثُمَّ أَتى) ٢٠: ٦٠ أَيْ أَتَى الْمِيعَادُ. (قالَ لَهُمْ مُوسى) أَيْ قَالَ لِفِرْعَوْنَ وَالسَّحَرَةِ (وَيْلَكُمْ) دُعَاءٌ عَلَيْهِمْ بِالْوَيْلِ. وَهُوَ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ: هُوَ مَنْصُوبٌ بِمَعْنَى أَلْزَمَهُمُ اللَّهُ وَيْلًا. قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نِدَاءً كَقَوْلِهِ تَعَالَى:" يَا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا" «١» [يس: ٥٢] (لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً) ٢٠: ٦١ أَيْ لَا تَخْتَلِقُوا عَلَيْهِ الْكَذِبَ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ، وَلَا تَقُولُوا لِلْمُعْجِزَاتِ إِنَّهَا سِحْرٌ. (فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ) ٢٠: ٦١ مِنْ عنده أي يستأصلكم بالإهلاك.
---------------
(١). راجع ج ١٥ ص ٣٩ فما بعد.
الصفحة 214