كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 11)
حُسَيْنٌ عَنْ أَبِي عَمْرٍو. الْبَاقُونَ" أُمَّةً واحِدَةً" بِالنَّصْبِ عَلَى الْقَطْعِ بِمَجِيءِ النَّكِرَةِ بَعْدَ تَمَامِ الْكَلَامِ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ. الزَّجَّاجُ: انْتَصَبَ" أُمَّةً" عَلَى الْحَالِ، أَيْ فِي حَالِ اجْتِمَاعِهَا عَلَى الْحَقِّ، أَيْ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ مَا دَامَتْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَاجْتَمَعْتُمْ عَلَى التَّوْحِيدِ فَإِذَا تَفَرَّقْتُمْ وَخَالَفْتُمْ فَلَيْسَ مَنْ خَالَفَ الْحَقَّ مِنْ جُمْلَةِ أَهْلِ الدِّينِ الْحَقِّ، وَهُوَ كَمَا تَقُولُ: فُلَانٌ صَدِيقِي عَفِيفًا أَيْ مَا دَامَ عَفِيفًا فَإِذَا خَالَفَ الْعِفَّةَ لَمْ يَكُنْ صَدِيقِي. وَأَمَّا الرَّفْعُ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ" أُمَّتُكُمْ" أَوْ عَلَى إِضْمَارِ مُبْتَدَأٍ، أَيْ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ، هَذِهِ أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ. أَوْ يَكُونُ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ. وَلَوْ نُصِبَتْ" أُمَّتُكُمْ" عَلَى الْبَدَلِ مِنْ" هذِهِ" لجاز ويكون" أمة واحدة" خبر" إن".
[سورة الأنبياء (٢١): الآيات ٩٣ الى ٩٤]
وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ (٩٣) فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ (٩٤)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ) أي تفرقوا في الدين، قال الْكَلْبِيُّ. الْأَخْفَشُ: اخْتَلَفُوا فِيهِ. وَالْمُرَادُ الْمُشْرِكُونَ، ذَمَّهُمْ لمخالفتهم الْحَقِّ، وَاتِّخَاذِهِمْ آلِهَةً مِنْ دُونِ اللَّهِ. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: أَيْ تَفَرَّقُوا فِي أَمْرِهِمْ، فَنُصِبَ" أَمْرَهُمْ" بِحَذْفِ" فِي". فَالْمُتَقَطِّعُ عَلَى هَذَا لَازِمٌ وَعَلَى الْأَوَّلِ مُتَعَدٍّ. وَالْمُرَادُ جَمِيعُ الْخَلْقِ، أَيْ جَعَلُوا أَمْرَهُمْ فِي أَدْيَانِهِمْ قِطَعًا وَتَقَسَّمُوهُ بَيْنَهُمْ، فَمِنْ مُوَحِّدٍ، وَمِنْ يَهُودِيٍّ، وَمِنْ نَصْرَانِيٍّ، وَمِنْ عَابِدِ مَلِكٍ أَوْ صَنَمٍ. (كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ) أَيْ إِلَى حُكْمِنَا فَنُجَازِيَهُمْ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ) " مِنَ" لِلتَّبْعِيضِ لَا لِلْجِنْسِ إِذْ لَا قُدْرَةَ لِلْمُكَلَّفِ أَنْ يَأْتِيَ بجميع الطاعات [كلها «١»] فَرْضِهَا وَنَفْلِهَا، فَالْمَعْنَى: مَنْ يَعْمَلْ شَيْئًا مِنَ الطَّاعَاتِ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا وَهُوَ مُوَحِّدٌ مُسْلِمٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مُصَدِّقًا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ) أَيْ لَا جُحُودَ لِعَمَلِهِ، أَيْ لَا يَضِيعُ جَزَاؤُهُ وَلَا يُغَطَّى وَالْكُفْرُ ضِدُّهُ الْإِيمَانُ. وَالْكُفْرُ أَيْضًا جُحُودُ النِّعْمَةِ، وَهُوَ ضِدُّ الشُّكْرِ. وَقَدْ كَفَرَهُ كُفُورًا وَكُفْرَانًا. وَفِي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُودٍ" فَلَا كُفْرَ لِسَعْيِهِ". (وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ) لِعَمَلِهِ حَافِظُونَ. نَظِيرُهُ" أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى " «٢» [آل عمران: ١٩٥] أي كل ذلك محفوظ ليجازي به.
---------------
(١). كذا في ب وج وط وى.
(٢). راجع ج ٤ ص ٣١٨.
الصفحة 339