كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 11)

عَلَى الصِّرَاطِ حَيَّاتٌ تَلْسَعُ أَهْلَ النَّارِ فَيَقُولُونَ: حَسَّ حَسَّ. وَقِيلَ: إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ [الْجَنَّةِ «١»] لَمْ يَسْمَعُوا حِسَّ أَهْلِ النَّارِ وَقَبْلَ ذَلِكَ يَسْمَعُونَ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ (وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ) أَيْ دَائِمُونَ وَهُمْ فِيمَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ. وَقَالَ" وَلَكُمْ فِيها مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها مَا تَدَّعُونَ
" «٢» [فصلت: ٣١]. قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ" لَا يَحْزُنُهُمُ" بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الزَّايِ. الْبَاقُونَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الزَّايِ. قَالَ الْيَزِيدِيُّ: حَزَنَهُ لُغَةُ قُرَيْشٍ، وَأَحْزَنَهُ لُغَةْ تَمِيمٍ، وَقَدْ قُرِئَ بِهِمَا. وَالْفَزَعُ الْأَكْبَرُ أَهْوَالُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَالْبَعْثِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ وَقْتٌ يُؤْمَرُ بِالْعِبَادِ إِلَى النَّارِ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكُ: هُوَ إِذَا أَطْبَقَتِ النَّارُ عَلَى أَهْلِهَا، وَذُبِحَ الْمَوْتُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَقَالَ ذُو النُّونِ الْمِصْرِيُّ: هُوَ الْقَطِيعَةُ وَالْفِرَاقُ. وَعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَلَاثَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي كَثِيبٍ مِنَ الْمِسْكِ الْأَذْفَرِ وَلَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ رَجُلٌ أَمَّ قَوْمًا مُحْتَسِبًا وَهُمْ له رضوان وَرَجُلٌ أَذَّنَ لِقَوْمٍ مُحْتَسِبًا وَرَجُلٌ ابْتُلِيَ بِرِقٍّ الدُّنْيَا فَلَمْ يَشْغَلْهُ عَنْ طَاعَةِ رَبِّهِ (. وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ يَضْرِبُ غُلَامًا لَهُ، فَأَشَارَ إِلَيَّ الْغُلَامُ، فَكَلَّمْتُ مَوْلَاهُ حَتَّى عَفَا عَنْهُ، فَلَقِيتُ أَبَا سَعِيدٍ الخدري فأخبرته، فقال: يا بن أَخِي مَنْ أَغَاثَ مَكْرُوبًا أَعْتَقَهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ. سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) أَيْ تَسْتَقْبِلُهُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يُهَنِّئُونَهُمْ وَيَقُولُونَ لَهُمْ: (هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) وَقِيلَ: تَسْتَقْبِلُهُمْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ عِنْدَ خُرُوجِهِمْ مِنَ الْقُبُورِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ" هَذَا يَوْمُكُمُ" أَيْ وَيَقُولُونَ لَهُمْ، فَحُذِفَ." الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ" فيه الكرامة.

[سورة الأنبياء (٢١): آية ١٠٤]
يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ (١٠٤)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ) قَرَأَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الْقَعْقَاعِ وَشَيْبَةُ بْنُ نِصَاحٍ وَالْأَعْرَجُ وَالزُّهْرِيُّ" تُطْوَى" بِتَاءٍ مَضْمُومَةٍ" السَّمَاءُ" رَفْعًا عَلَى ما لم يسم فاعله. مجاهد" يطوي"
---------------
(١). من ب وج وط وز وك.
(٢). راجع ج ١٥ ص ٣٥٧.

الصفحة 346