كتاب شرح سنن أبي داود لابن رسلان (اسم الجزء: 11)

كثر منهم العصيان والفساد (تَقَذَّرهم) بفتح التاء والقاف والذال المشددة، أي: تتقذرهم ثم حذفت التاء الأولى ويجوز: (تَقْذَرهم) بسكون القاف وفتح الذال: أي: تكرههم، وفي "شرح الخطابي" (¬1): تأويله أن الله يكره خروجهم إليها، ومقامهم بها، فلا يوفقهم، فصاروا بالصد وترك القبول في معنى الشيء الذي تقذره (¬2) نفس الإنسان.
(نفس الله) أي: يكره الله خروجهم إلى الشام، ومقامهم بها؛ فلا يوفقهم إلى المهاجرة إليها، بل إلى غيرها، فصاروا بترك الخروج إليها في معنى الشيء الذي تقذره نفس الإنسان، أي: ذاته، فلا تقبله، والنفس هنا ذات الله تعالى، كما قال تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} (¬3) كما تقول: قتل فلان نفسه، أي: ذاته كلها، ويحتمل أن تكون النفس هنا أهل شريعة الله القائمين على الحق الذين لا يضرهم من ناوأهم، كما قال تعالى: {ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} (¬4) أي: بأهل شريعتهم، ولما كره الله خروجهم إلى الشام أزال رغبتهم عنها (¬5) فارتحلوا إلى غيرها، فكأن الأرض لفظتهم عنها بفعل الله، وفي الكلام مجاز واتساع نظيره قوله تعالى: {كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ} (¬6) أي: عن الخروج إلى الغزو، ووجهه أن الله لما كره
¬__________
(¬1) "معالم السنن" للخطابي 2/ 235.
(¬2) في الأصلين: تقذرهم، والمثبت أليق بالسياق.
(¬3) آل عمران: 28، 35.
(¬4) النور: 12.
(¬5) في (ر): فيها، والمثبت من (ل).
(¬6) التوبة: 46.

الصفحة 24