كتاب النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة (اسم الجزء: 11)
ابن الميلق المذكور من قبول القضاء تمنّعا زائدا وصلى ركعتى الاستخارة حتى أذعن، فألبسه السلطان الملك الظاهر تشريف القضاء بيده وأخذ طيلسانه يتبرّك به ونزل وبين يديه عظماء الدولة إلى المدرسة الصالحية «1» ، فداخل أرباب الدولة بولايته خوف ووهم وظنّوا أنه يحمل الناس على محض الحق وأنه يسير على طريق السّلف من القضاة، قال الشيخ تقىّ الدين المقريزىّ- رحمه الله- لما ألفوه من تشدّقه في وعظه وتفخّمه في منطقه وإعلانه في التّنكير على الكافة ووقيعته فى القضاة واشتماله على لبس المتوسّط من الخشن ومعيبه على أهل التّرف.
وكان أوّل ما بدأ به أن عزل قضاة مصر كلهم من العريش «2» إلى أسوان «3» وبعد يومين تكلّم معه الحاجّ مفلح مولى «4» القاضى بدر الدين بن فضل الله كاتب السرّ فى إعادة بعض من عزله من القضاة، فأعاده، فانحلّ ما كان معقودا بالقلوب من مهابته. ثمّ قلع زيّه الذي كان يلبسه ولبس الشاش الكبير الغالى الثمن ونحوه وترفّع فى مقاله وفعاله، حتى كاد يصعد الجوّ وشحّ في العطاء ولاذ به جماعة غير محبّبين إلى الناس فانطلقت ألسنة الكافّة بالوقيعة في عرضه واختلقوا عليه ما ليس فيه.
انتهى كلام المقريزىّ باختصار.
قلت: كل ذلك والملك الظاهر لا يسمع فيه قول قائل، حتى كانت وقعة الناصرىّ ومنطاش مع الملك الظاهر برقوق وحبس الملك الظاهر بالكرك وكان هو قاضيا يومئذ فوقع في حقّ الظاهر وأساء القول فيه، فبلغ الظاهر ذلك قبل
الصفحة 248
391